يعد العنف ضد الأطفال في أنحاء العالم مشكلة اجتماعية ونفسية وثقافية، فهو من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في كل المجتمعات، وباتت تشكل وصمة عار في حق الإنسانية. بل أظهرت تقارير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل تنامي معدلات العنف ضد الأطفال في كل دول العالم، حتى أصبح بالإمكان القول: إنه لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض لا يمارس فيها العنف ضدهم.
ومنذ عام 2003م، رسم الأمين العام للأمم المتحدة صورة مفصلة لطبيعة العنف ضد الأطفال، ومدى انتشاره وأسبابه، ومن ثم إيجاد الحلول للعمل على منع هذه الظاهرة والتصدي لها. فساهم الكثير من أهل الاختصاص في هذه الدراسة، بالمشاركة في استشارات وفرق عمل، ومن خلال الاستبيانات وغيرها لدراستها.
وقد عرّفت لجنة الخبراء الاستشارية للمنظمات غير الحكومية الدولية لدراسة الأمم المتحدة العنف، بأنه: (العنف الفيزيائي والجسدي والنفسي والاجتماعي والجنسي ضد الأطفال، ومن خلال سوء المعاملة، أو الاستغلال كأفعال متعمدة مباشرة، أو غير مباشرة. تؤدي لوضع الطفل عرضة للمخاطر، أو الإضرار بكرامته وجسده ونفسيته، أو مركزه الاجتماعي، أو نموه الطبيعي). والطفل حسب التصنيفات الدولية المعتمدة، هو: (كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره). وقد وقعت جميع الدول في العالم على اتفاقية حقوق الطفل باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية.
صحيح أن العنف ضد الأطفال يمثل إحدى أخطر المشكلات المؤثرة على الأطفال، إلا أنه في أغلب الأحيان لا يترك علامات واضحة ومرئية، ولاسيما إذا مورس في الخفاء، مع أن تداعياته قد تخلف آثاراً سلبية تصل في بعض الأحيان إلى الوفاة - لا قدر الله -، أو الإصابة بعاهة، ونحو ذلك.
وقد أظهرت دراسة لمركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية، أن 45% من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء بشكل يومي 33.6% للإيذاء النفسي، 25.3% للإيذاء الجسدي، 23.9% للإهمال، وهو من أنواع العنف النفسي. و36% الحرمان من المكافآت المادية والمعنوية، 18% يتعرضون للضرب بأدوات خطيرة، 19% القذف بالأشياء التي في متناول اليد، 32% التهديد بالعنف، 21% السب بألفاظ قبيحة والتهكم. وأكثر الفئات تعرضاً للإيذاء، الأيتام بنسبة 70%، تليها الأطفال عند انفصال الوالدين 58%، وفي حال طلاقهما 42%، ثم حالة وفاة الأم 18.8%، ثم نسبة 10% في حالة وفاة كلا الوالدين. وأكثر الفئات تعرضاً للإيذاء هي التي يقل دخل الأسرة فيها عن ثلاثة آلاف بنسبة 29.5%.
ويتفق الباحثون على وجود عوامل مهمة لتفسير حدوث ظاهرة العنف نحو الطفل. منها: العوامل الاجتماعية، كالخلاف بين الأبوين، وارتفاع عدد أفراد الأسرة، وشيوع النموذج الأبوي المتسلط. والعوامل الاقتصادية، كالفقر، وبطالة رب الأسرة. والعوامل القانونية، كتدني الوضع القانوني للمرأة والطفل، وانعدام الأهلية القانونية. والعوامل السياسية. والعوامل النفسية، كعدوانية الأطفال أنفسهم، وإعاقتهم الذهنية والعقلية، وتأخرهم الدراسي. ووسائل الإعلام التي تنشر حالات العنف عن طريق التقليد.
إن احتفاءنا مع بقية دول العالم باليوم العالمي للطفولة قبل أيام يفرض علينا أن نحتوي حالات العنف في المملكة، مع الأخذ بالاعتبار الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة، والتي قطعت شوطا في هذا المجال، عن طريقإيجاد آلية تنسيق لدراسة ظاهرة العنف ضد الأطفال، وإعداد بيانات من أجل رسم صورة كاملة عن حجم المشكلة، ومن ثم إيجاد الحلول وإنفاذ التوصيات بعد إقرارها، وتبادل المعلومات والخبرات وتعبئة الجهود والموارد لوقف هذه الظاهرة.
كما أن تعزيز الدور الإعلامي، والتعريف بحقوق الطفل، ونشر الوعي عبر المناشط الثقافية، والدورات التدريبية وورش العمل، وتخصيص ميزانية لخدمة هذه المناشط، وحث القادة السياسيين والمؤسسات الدينية بدعم هذا الوعي، ومنع العنف في مؤسسات الرعاية البديلة، وتعزيز وسائل إيجابية للتأديب بعيداً عن العقاب الجسدي بكافة صوره وأشكاله، أمور في غاية الأهمية ولا شك.
إن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى ما قاله - الأستاذ - باولو سيرجيو بنهير - الخبير المستقل في هذا المجال - والذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة: (إن أفضل طريقة للتعامل مع العنف ضد الأطفال، هي وقفه قبل حدوثه. ولكل منا دور يؤديه في هذا الصدد، ولكن الدول لابد أن تضطلع بالمسؤولية الرئيسية. وهذا يعني حظر جميع أشكال العنف ضد الأطفال أينما حدثت، وأياً كان مرتكبها. والاستثمار في برامج الوقاية للتصدي للأسباب الكامنة، مع ضرورة إخضاع الأشخاص للمساءلة ضمن إطار قانوني قوي يشمل عقوبات واضحة وصارمة).
drsasq@gmail.com