تقرير - محمد يحيى الزهراني
ليس غريباً أن نرى أسعار النفط تتهاوى من أعلى سعر سجلته في يوليو 2008م عند مستويات 147 دولاراً للبرميل لتكسر حاجز الـ40 دولاراً في أقل من خمسة أشهر في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العالم قاطبة تحت تأثير الأزمة المالية والتي عصفت بالأسواق المالية سواء بورصات الأسواق أو العملات أو السلع والطاقة والتي سارعت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى النزول الحاد الذي شهدته الأسواق العالمية بمختلف أنواعها ونشاطاتها، فالمتأمل في أسعار البترول التاريخية يلاحظ أن القفزات السعرية التي شهدها سعر النفط لم تكن تأتي من فراغ بل كانت هناك أسباب حقيقية مترجمة على أرض الواقع ولم تكن مجرد شائعات فقط مع إيماننا بأن الشائعات لها دور في حركة الأسعار ولكن دورها لا يتعدى الدور المؤقت واللحظي فقط والذي سرعان ما يزول مع تصريحات النفي أو التثبيت فالشائعات عادة يصنعها المضاربون فقط بينما تبقى حركة وميكانيكية السعر الحقيقي مرهونة تحت الاستقرار الدولي ونمو الموارد وتطور الصناعات وهذه الحركة تكون حركة مقننة يحكمها صناع القرار فقط وليس صناع الأسواق وعادة ما تكون محسوبة حسابات دقيقة تضمن فيها الحقوق وتداري فيها الصالح العام ومن خلال الجدول التالي الذي يبين لنا كيف استطاع أن يحقق سعر البترول أرباحا تاريخية أو قفزة سعرية تعادل 8100% تقريباً خلال الأربعة عقود الماضية ونرى الأسباب الدافعة إلى القفزات السعرية والتي لم نستطرق فيها إلى التفاصيل الدقيقة ولم نستعرض فيها حالات الهبوط أو الثبات السعري خلال هذه الفترة.
وبعد التأمل السريع في هذه الأحداث المتسلسلة نجد أن الحروب والأزمات الدولية وخاصة السياسية منها هي اللاعب الرئيسي في دفع عجلة البترول السعرية إلى مستويات عالية بغض النظر عن التراجع السعري الذي قد يطرأ عليه أثناء وبعد الحرب ولكن ما يهمنا هو الخروج بنتيجة واحدة يتفق عليها خبراء أسواق النفط وهي أن الحروب تعني قفزات سعرية لأسعار البترول بل قد تكون هي الدافع الأساسي.
* هل هذه الأسباب هي الأسباب الوحيدة لهذه القفزات؟
- مما لا شك فيه أن هناك نقلة حضارية وعلمية حصلت خلال الأربعة قرون الماضية كانت كفيلة ومؤهلة لأن تقود سعر البترول فيما فوق مستوى الـ40 دولارا ليكون سعرا عادلا في ظل الطلب المتزايد عليه ونستطيع أن نلخص بعضها وليس كلها عبر نقاط معينة وهي:
1- الكثافة السكانية ودخول البترول في جميع مشتقات الصناعات الحربية وغير الحربية والتي تطلب استهلاكا للطاقة بشكل يومي أو لحظي كالطائرات والسيارات ومحطات الكهرباء.
2- انتشار الوعي العلمي والفكر التجاري والاستثماري لدى الأفراد والمؤسسات ودخولهم كمنافسين في تجارة البترول بعد أن كانت محتكرة على مؤسسات وأفراد معينين لعدة عقود.
3- العولمة الاقتصادية التي فتحت الأسواق العالمية على بعضها وفتحت المتاجرة في البورصات العالمية وتجارة السلع والمواد الخام والطاقة.
4- احتفاظ كثير من الدول المنتجة والمصدرة بمراكزها الأولى عالميا في المخزون والتنقيب والتصدير مع وجود عجز وقحط في كثير من الدول الأخرى حتى المتقدمة منها.
5- الكوارث البيئية كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات وخاصة البحرية منها.
6- الاستقرار المالي العالمي وانتعاش الأسواق العالمية بمختلف أنشطتها وإنشاء المشاريع الاستثمارية وخاصة البتروكيميائية منها.
* ماذا يعني ارتفاع سعر البترول وما هو تأثيره على ميزانيات الدول المنتجة والمصدرة؟
- للأسف هناك معادلة أو علاقة عكسية بين ارتفاع سعر البترول وبين ميزانيات الدول المنتجة فارتفاع سعر البترول يعني ارتفاع سعر المواد الخام للدول الصناعية المصدرة مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصادرات وبالتالي ارتفاع أسعار الاستهلاك للمستورد سواء كان تاجراً أم فرداً وهذا يؤدي إلى انتشار الغلاء واستفحال الفقر ولذلك تلجأ حكومات الدول غير الصناعية إلى تحمل بعض أعباء الارتفاعات السعرية للمنتجات المستوردة أو تلجأ إلى زيادة سلم الرواتب واستحداث وظائف شاغرة أو إعطاء معونات شهرية إلى مواطنيها للحد من عملية الارتفاعات السعرية وخاصة في المواد الاستهلاكية كالغذاء والدواء مما يؤدي بالحكومات إلى عمل اجتماعات طارئة لمحاولة كبح جماح ارتفاع أسعار البترول واتخاذ إجراءات مناسبة للحد من التوسع في المبالغة السعرية له فمحصلة الميزانية ستكون قريبة من الصفر وأقل من الواحد صحيح وخاصة لتلك الدول التي يكون مصدرها مصدر ريعي فقط؛ وعادة ما تكون إجراءات وقائية وفيها تبادل المنافع بين الصادرات والواردات بقوانين وشروط تلتزم فيها جميع الأطراف بما يتم الإتفاق عليه وهنا يأتي دور ال(أوبك).
* ما العقبات التي ستواجه منظمة ال(أوبك) قبل اجتماع 17 ديسمبر 2008م الطارئ في وهران؟
- ارتفاع أسعار البترول الجنونية من منتصف 2007م حتى منتصف يوليو 2008م دفع دول الأوبك إلى تقدير إيرادات ميزانياتها على أن يكون متوسط سعر البرميل 75 دولاراً، وذلك استناداً إلى تصريحات وزراء النفط في بعض الدول الأعضاء وحسابات خبراء أسواق النفط، وهذا يعني أن انخفاض متوسط السعر إلى ما دون الـ50 دولاراً بأسعاره الحالية سيضع دول الأوبك أمام اختبارات وعقبات صعبة نوعاً ما وهي:
1- كيفية إيجاد آلية معينة وحلول جذرية في تصريف الفائض المتراكم من جراء ارتفاع سعر البرميل إلى حوالي الـ147 دولاراً بسعر أعلى من المتوسط المرجح، ولاسيما بعد قرار تخفيض إنتاج أوبك بمليون ونصف مليون برميل في اليوم، وتفاقم الأزمة العالمية ودخول أغلب الدول العظمى في مرحلة ركود قد تمتد إلى العامين حسب تقديرات علماء الاقتصاد التي بدورها تدخل لمرحلة لكساد.
2- التزام دول أوبك بحصصها وعدم الإخلال بالاتفاقيات المتفق عليها في حالة تصريف الفائض المتراكم والدخول في مراحل انخفاض وعجز لميزانياتها النقدية خلال الأعوام القادمة التي قد تتسبب في انتكاسات اقتصادية تعرض سياساتها إلى اضطرابات داخلية تزعزع مكانتها بين شعوبها.
3- كيفية إيجاد آلية محددة تحت قاعدة لا ضرر ولا ضرار مع الدول المستهلكة التي أصبح لديها تضخم في حجم التخزين إلى أرقام قياسية نتيجة زيادة التخزين بأسعار مرتفعة بسبب التخوف والقلق من ارتفاع الأسعار إلى مستويات تفوق 200 دولار للبرميل، كما توقعت له بعض الجهات الرسمية التي تهتم بدراسة الأسعار المستقبلية عبر سلاسل زمنية محددة، بالإضافة إلى الخوف من نضوب النفط في كثير من الدول المنتجة وبالتالي قلة العرض أمام تزايد الطلب بالإضافة إلى إيجاد آلية مماثلة مع الكميات العائمة على متن الناقلات التي ما زالت تشكل ضغطاً على سعر البرميل بسبب عدم بيعها.
4- التحدي الكبير لمواجهة انخفاض الطلب العالمي في معظم الدول المستهلكة بسبب الأزمة المالية العالمية وإفلاس عدد كبير من المؤسسات الإنتاجية وارتفاع الأسعار واستفحال تباطؤ النشاط الاقتصادي العام وانكماش معدلات النمو، بالإضافة إلى انخفاض حجم الاستثمارات وأرباح الشركات.
* ما التطلعات التي ينتظرها العالم في اجتماع ال(أوبك) الطارئ في وهران؟
1- تضامن الدول المنتجة للنفط كروسيا والنرويج والمكسيك مع ال(أوبك) إما عبر انضمامها للمنظمة أو اتباع تخفيضات أوبك لحصص الإنتاج وعدم الإخلال بالاتفاقيات والمصادقة عليها.
2- تقليص الإنتاج وخفض مخزونات النفط العالمية بمقدار معين يهدف إلى تحقيق الاستقرار في أسعار النفط.
3- تضافر كافة جهود الدول العربية واتخاذ كافة الإجراءات المناسبة للحد من تأثيرات هذه الأزمة السلبية والعمل على تحقيق توازن في معدلات النمو لهذه الصناعة.