Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/12/2008 G Issue 13228
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1429   العدد  13228

دفق قلم
الحيوان في الأدب العربي
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

حينما أتنقل بين الكتب الحبيبة في مكتبتي المنزلية، تقع يدي على بعض الكتب التي أقتنيها ولم أقرأها، أو أنني قرأتها منذ زمن بعيد، ولم أعد إلى قراءتها، وكان من بين هذه الكتب التي بعد عهدي بقراءتها هذا الكتاب الماتع اللطيف الطريف الظريف (الحيوان في الأدب العربي) لمؤلفه شاكر هادي شكر، وكنت في جولة هذه الأيام مع الكتب أقوم بواجب المعايدة لها والتحية والسلام، وأسعد بتقليب صفحاتها التي تشرح الصدر وتسعد القلب، فوقعت يدي على هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، وبدأت أقلب صفحاته التي استطاعت أن تستوقفني وتصرفني عن مواصلة معايدة بقية الكتب، وما إن فتحت الصفحة الأولى من الجزء الثالث حتى رأيت عنوان (العنكبوت) ويبدو أن قصة حياتها العجيبة قد استهوتني فرحلت معها، ومع طبائعها، وأسمائها، وبيتها الواهن، وما قيل فيها من الأمثال والأشعار، وما ورد عنها من القصص، وغدوت أتنقل بين صفحات هذا الجزء المتضمن أعاجيب الأخبار عن العنكبوت والغراب والغنم، والفئران، والقطا، والكروان، والعقاب، والبلابل، وغيرها من عالم الحيوان العجيب، ورأيت أن من حق قرائي الكرام أن يشاركوني شيئاً من معلومات هذا الكتاب الجميل.

العنكبوت: واحدة العناكب، دويبة تنسج في الهواء وعلى رأس البئر نسجاً رقيقاً مهلهلاً، وهي مؤنثة وقد تذكر، وجمعها: عناكب وعِكَاب وعُكُب، ويسمى الذكر منها بعدة أسماء هي:

العُكاش، والخَذَرْنَق، والخَذَنَّق، ويسمى ولدها: الدَّغْفَل وبه سمِّي الرجل، وهو اسم شاعر عربي معروف هو دغفل الخزاعي، ويسمَّى نسيجها (الهَلْهَل) وكنية ذكر العناكب: أبو خيثمة، وأبو قشعم، والأنثى (أم قشعم).

وللعناكب أصناف منها: الرُّتيلاء، وهي من ذوات السُّموم، ومنها: اللَّيث وهو يصيد الذباب وله عدَّة أرجل وعدة عيون، ويسمى الفهد أيضاً، وله أحوال من النشاط والذكاء في الصيد تثير العجب.

قال الجاحظ في كتاب الحيوان: ولد العنكبوت أعجب من الفرُّوج الذي يخرج من البيضة كاسياً محتالاً لرزقه مكتفياً، لأن ولد العنكبوت يقوم على نَسْج بيته ساعةَ يولد بمهارة كبار العناكب.

وقد ضرب الله مثلاً للكفار وأوليائهم بيت العنكبوت فقال سبحانه: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وأقول: يا له من مثل بديع لأولئك العنكبوتيين الذين يتخذون أولياءً غير الله سبحانه تعالى.

من أمثلة العرب (أغزل من عنكبوت) و (أوهي من بيت العنكبوت) وقد هجا بعض الشعراء العنكبوت بقوله:

أَلْقِني في لظىً فإن أحرقتْني

فتيقَّنْ أنْ لستُ بالياقوت

جَمَع النَّسْجَ كلُّ من حاك لكنْ

ليس داودُ فيه كالعنكبوت

والشاعر هنا يشير إلى نسج الدُّروع من الحديد وهي صنعة داود عليه السلام، فردَّ عليه شاعر اسمه يعقوب المنجنيقي قائلاً:

أيها المدَّعي الفخار دعِ الفخرَ

لذي الكبرياءِ والجبروتِ

نَسْجُ داودَ لم يُفِدْ ليلة الغارِ

وكان الفخارُ للعنكبوتِ

فالشاعر هنا يمدح العنكبوت بنسجها على غارِ ثْور حينما اختبأ فيه الرسول عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه كما ورد في بعض روايات قصة الهجرة المباركة، وإن كان هذا الأمر لم يثبتْ بسندٍ متصل حسب علمي. وقال أحد الشعراء واسمه (الأحنف العكري) يشكو سوء حاله:

العنكبوت بنت بيتاً على وَهنٍ

تأوي إليه وما لي مثله وَطَنُ

ونقول: سبحان الخالق المبدع الذي وضع من الأسرار فيما خلق ما لا قِبَلَ لنا بحصره ومعرفته.

إشارة:

{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}

www.awfaz.com

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد