أكرمني الدكتور العزيز محسن الشيخ آل حسان في منحي فرصة الكتابة في كتابه الشيق المفيد الذي كنا ننتظر من يمتلك جرأة وشجاعة الدكتور محسن ليخرجه لنا حتى لا تبقى رؤوسنا في التراب كالنعام ونغمض أعيننا عما يجري داخل مجتمعاتنا من مصائب وكوارث بشرية هي عادة تجري في جميع مجتمعات العالم، لكن ما يعيبنا هو عدم قدرتنا على إخراجها مما يسهم في استفحالها وزيادتها كما وإعطاء تصور زائف عن خلو ......
مجتمعنا منها مما يفقدنا المصداقية ويعرضنا دوماً للأنظار ومن ثم انتقادات الآخرين.
لقد سلط الدكتور محسن في كتابه عن جانب مهم يعيشه مجتمعنا ربما بجميع مستوياته وأطيافه، الأمر الذي سيجعل من الكتاب حدثا مهما لما يتمتع به من جرأة وكشف عن أهم وأكثر الجرائم بشاعةً ليس بحثاً عن الإثارة وإنما لوضع اليد على مكامن الخلل من جهة، ومن جهة أخرى المجاهرة بوجود تلك التصرفات الشاذة، الأمر الذي سيسهم في رسم ربما خطة منهجية علمية واقعية للقضاء على تلك التصرفات المشينة وإعطاء الضحايا جرعة من الجرأة للحديث عما يتعرضون له من امتهان لكرامتهم الإنسانية.
تشكل أسرار البيوت مادة دسمة للمجتمع، ومن أكثر الأخبار التي تفتح شهية السامع أو السامعة هي ما يتعلق بخصوصيات وشؤون الأسر الأخرى. إلا أن هذا الأمر من شأنه إن أذيع بطريقة عشوائية أن يثير القلق ويزعزع الاستقرار الأسري، إن لم يؤد في الغالب إلى هدم البيت.
رغم أن الكثير قد ينظرون إلى المشكلات الحادثة في المجتمع على أنها حالات فردية يجب عدم الوقوف عندها، إلا أن نظرة أوسع على الأمور بعين حاذق تكشف أن تلك المشكلات سواءً الناتجة عن الجنس أو المخدرات أو السلوك العنيف إنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدين والمعتقد، بالثقافة والجغرافيا، بالسياسة والاقتصاد، بالعادات والتقاليد التي إن اجتمعت بطريقة وتركيبة معينة إنما تساهم بشكل مباشر في زيادة واستفحال تلك المشكلات.
إنه كتاب ينقص المكتبة العربية، رغم ما يذخر به تراثها من كتب تتناول هذا الموضوع المهم.
(ذئاب البيوت) عنوان كتاب نفيس، أفرغ فيه كاتبه خلاصة فكرية ناضجة، وتجربة مجتمعية غنية، وخلاصة جهد وافر وصف فيه واقع البيوت اليوم وحلل جذور المشكلات التي يعانون منها. وقد قام المؤلف بتشخيص خط الانحراف الذي أصاب المجتمع وبدأ الهبوط به عن الذروة العليا التي كان عليها جيل الصالحين والأتقياء، ثم حلل آثار هذا الانحراف الذي طرأ على المجتمع. ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن مشكلات واقعة وحادثة في مجتمعنا الذي ظلت رهينة الكتمان نتيجة الهلع الذي قد يصيبنا جراء الكشف عنها بحكم طبيعة مجتمعنا وخصوصيته الإسلامية، إلى أن انتهى بنظرة إلى المستقبل؛ كل ذلك في عرض مفصل شيق وبأسلوب رصين معتدل.
كان الحديث في أمور الحب والجنس من وجهة النظر الإسلامية، وحتى فترة ليست بالطويلة، واحدا من أشد الأمور حرمة عند بعض الفقهاء وأنصاف العلماء، ولعل تحريمهم لواحد من أهم الموضوعات التي حللت الشريعة السؤال عنها والخوض فيها، ناجم عن افتقارهم للجرأة على الخوض في موضوعات خُيل إليهم أنها مُفْسِدة للأمة والجيل، من جهة أخرى فإن عاطفة الحب الموجودة بين الوالدين وكذلك الموجهة منهما لطفلهما تجعله يشعر بالأمان، الأمر الذي تنبني عليه الشخصية السوية المتمثلة بالاستقرار الانفعالي فيما بعد.
فالطفل الذي يفتقد الحب والاهتمام في محيطه الأسري سيبحث عنه خارج المنزل عندما يصبح في سن أكبر، مما يؤدي إلى عواقب عاطفية شديدة إذ يمكن أن يمنح عواطفه لمن يستغلها أبشع استغلال.
ولذا وجب أن يمنح الوالدين أطفالهما كامل الحب والاهتمام والرعاية وأن يؤكدا باستمرار على هذه الأمور، وينتبها ألا يصدر عنهما ما يخالفها نتيجة غضب أو انفعال.
لا بد إن أردنا حقيقةً القضاء على تلك المواقف التي قد تصل إن اتسعت دائرتها إلى الظاهرة، لابد أن نشير إلى ضرورة توعية وتثقيف الجنسين من حيث ضرورة المحافظة على القيم الأخلاقية والدينية وتكريس مفهوم أن العلاقات الأسرية أو العملية أو الشخصية خارج نطاق المواثيق المعروفة لا يجوز أو لا يكون مبرراً للتحرش الجنسي أو أي نوع من التحرش، والكيفية التي يتم بموجبها تقوية الوازع الديني والأخلاقي لدى الجنسين، وتحفيز الأطفال من الجنسين الذين يتعرضون للتحرش بجميع أشكاله وخصوصاً التحرش الجنسي على الإبلاغ عما يتعرضون له وعدم السكوت خوفاً من الفضيحة أو من انتقاص سمعتهم، حيث غالباً ما يتم استغلال هذا الخوف في زيادة حالات التحرش من قبل الذكور، وقد يكون ذلك من الموضوعات التي ربما ينبغي المسارعة إلى علاجها قبل استفحالها عبر وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والوزارات المعنية عبر إقامة ندوات وورش عمل واستخدام كافة الوسائل الإعلامية التي تزرع لدى الجميع مفهوم التواصل دون إيذاء أو تحرش بكافة أشكاله وصوره.
وإذ نحن على مشارف عهد جديد فيه من الوسائل ما يعين على الخروج عن المألوف من الأخلاق الحميدة، علينا أن نعلم ضرورة المبادرة لعلاج تلك المواقف قبل تحولها إلى ظاهرة، الأمر الذي يزيد ضرورة السرعة في اتخاذ الخطوات الوقائية الكفيلة بعدم انتشار تلك المواقف وتحولها إلى ظاهرة.
إن ما يطرحه الدكتور محسن في كتابه القيم هذا يعد خرقا كبيرا في جدار فولاذي، لم يجرؤ الكثيرون حتى على مجرد الاقتراب منه، وهو اختراق يحسب له فهل يسير غيره من الكتاب في البحث في الأمور التي طالما اعتقد الكثيرون أنها من المحرمات أو إحدى السبع الموبقات؟.
والله من وراء القصد.
dr.aobaid@gmail.com