أفلح التحرك العربي الدبلوماسي الذي قاده الأمير سعود الفيصل وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار (1860)، والقرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والقرار يعد بمثابة خطوة ضرورية وملحة في ظل الوضع المأساوي لأهل غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية وتجويع متعمد وحرمان من الخدمات الطبية، ولهذا فإن إقرار هذا القرار (الملزم) يعد خطوة إلى الأمام يجب أن تليها -بصورة عاجلة- إجراءات لفرض تنفيذ القرار، خاصة (الوقف الفوري) لإطلاق النار وفتح المعابر للسماح بوصول شحنات الأغذية والمعدات الطبية وفرق الإغاثة إلى أهل غزة، مع وقف إطلاق الصواريخ حتى لا يكون هناك مبرر لاستمرار العدوان الإسرائيلي.
والقرار (1860) الذي ولد بعد عملية قيصرية، ونجح الوجود العربي المتمثل في مشاركة وزراء خارجية الدول العربية المحورية وأمين عام جامعة الدول العربية في وقف المماطلات والتسويف وحتى (التحايل) لوزيري خارجية أمريكا وفرنسا، اللذين أرادا تأخير التصويت على القرار لإعطاء فرصة لإسرائيل لتحقيق نواياها وأهدافها واستكمال عدوانها على أهل غزة وتنفيذ المرحلة الثالثة من هذا العدوان دون الالتفات إلى حجم المأساة الإنسانية ومعاناة أهل غزة الذين فاق عدد شهدائهم أكثر من ثمانمئة شهيد، فوزير خارجية فرنسا ترك الاجتماع وطلب التأجيل 24 ساعة، ونظيرته الأمريكية التي كانت قد تعهدت لوزراء الخارجية العرب بتأييد مشروع القرار العربي، عادت وتنصلت من وعدها بعد تلقيها اتصالاً هاتفياً من بوش واتصالاً من أولمرت، وبعد تيقنها من جدية وصلابة الموقف العربي الذي أعلنه سمو الأمير سعود الفيصل بأنه والوفد الوزاري العربي سيبقون على مقاعدهم حتى يطرح القرار للتصويت، وبعد هذا الموقف الذي ترجمته بإصرار تصريحات وتحركات الأمير سعود الفيصل الذي أعلن بوضوح أن الدول العربية لديها القدرة على القيام بإجراءات تكفل للعرب والفلسطينيين الحصول على حقوقهم الشرعية، وبما أن فرنسا وأمريكا بالذات يعرفان ماذا يعني هذا؛ لذا عاد الوزير الفرنسي مسرعاً وأجرى التصويت على القرار وامتنعت الوزيرة الأمريكية عن استعمال (الفيتو) المعتاد لإفشال القرار كنوع من ممارسة (الضرر الأقل).
فامتناع أمريكا عن التصويت أضعف القرار وأظهر للجميع أن أمريكا غير راضية عنه، كما أن تصرف أمريكا في مجلس الأمن يكشف عن تراجع دور أمريكا دولياً، ولما كانت تحرص عليه ك(قائد أممي) بضبط السلوك الدولي..!!
مشروع القرار سانده (14) دولة، وامتناع أمريكا العضو الـ(15) يرسل إشارة إلى إسرائيل بأنه بإمكانها مواصلة عدوانها رغم أن القرار (ملزم) ويطلب وقفاً (فورياً) وهو ما شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي المطرود أولمرت على القول (إن إسرائيل ستواصل عملياتها في قطاع غزة رغم صدور القرار 1860).. متبجحاً بأن إسرائيل (لم تقبل يوماً، أن يقرر نفوذ خارجي حقها في الدفاع عن مواطنيها) وطبعاً يقصد بالدفاع عن مواطنيها.. حقها في مواصلة العدوان..!! وهذا يجلنا نتوقع مواصلة العدوان الإسرائيلي على غزة وأن يكون مصير القرار (1860) مثل غيره من القرارات الدولية الأخرى التي اعتادت إسرائيل رفضها.. إلا أن هذه المرة يعمل العرب المؤثرون -وليس أصحاب الخطب- على حماية هذا القرار، وإكسابه قوة ضاغطة من خلال مواقف واضحة سيبلغها وزراء خارجية الدول المحورية الموجودين في نيويورك.