الرياض : عبدالله البراك
النتائج المالية للشركات تمثل شهادات الأداء المالي خلال العام وتكتسب هذا العام أهميتها من الظروف الاقتصادية التي أحاطت بعام 2008 فجعلته علامة فارقة في التاريخ الاقتصادي. قطاعات ينتظر المتداولون كشف المستور عنها لأنها في عين العاصفة، وقطاعات أخرى قد تقشع نتائجها ضباب التصريحات فتسقط وريقات توتها. هذه النتائج محطة انتظار المستثمرين لرسم خارطة استثمارهم في 2009م. داخل محطة الانتظار في سوق الأسهم ثمة متشائمون يعزون تشاؤمهم إلى الأزمة المالية العالمية ومتفاؤلون بأرقام الميزانية التي لم تكشف فقط عن فائض هو الأضخم في تاريخ المملكة بل بموازنة إنفاق في 2009 تتجاوز سابقتها وسياسة مالية توسعية تجرف صخور الركود عن الاقتصاد المحلي. (الجزيرة) تفتح في هذا العدد ملف النتائج المالية للشركات وتسأل المختصين لتسليط الضوء على تأثرها وأثرها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
الدكتور محمد المسهر الجبرين أستاذ المالية بجامعة الملك سعود يتوقع أن تنخفض نتائج الشركات للربع الرابع مقارنة مع نتائج الربع الرابع من العام 2007م وكذلك بالنسبة للربع الثالث من العام 2008م، واستبعد أن تتحول نتائج الشركات من الأرباح إلى الخسائر، وقلل من هذا الاحتمال، مضيفاً أن التأثير يختلف من قطاع إلى آخر، وأشار إلى أن احتمال التأثير الأكبر سيكون على البنوك.. وتوقع أن يكون الضرر عاماً، وأن يأتي تأثر الشركات الصغيرة لاحقاً بعد تأثر الشركات الكبرى بحكم مساحة التعاملات ما بين الشركات.
وحول تأثر نتائج الشركات بتقلبات أسعار النفط قال الجبرين: هناك من سيتأثر بشكل مباشر مثل شركات البتروكيماويات، خاصةً مع انخفاض الطلب على النفط، وبعض الشركات ستتأثر بشكل غير مباشر، فقد أثبتت دراسات ارتباط أسعار النفط بأسعار الأسهم كما أن هناك دراسات أثبتت ارتباطاً بين أسعار الشركات في دولة وأسعار الشركات في القطاع نفسه في دولة أخرى. وأضاف الجبرين أن زيادة الإنتاج ليست في صالح الشركات، فانخفاض أسعار النفط قد يكون إيجابياً ولكن في حالة ضعف الطلب تتحول إلى سلبية، وقد تتضاعف الخسائر. وأشار الجبرين أنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعض الشركات قد تكون مرتبطة بعقود طويلة المدى، فهي مضطرة للإيفاء بالتزامها تحت أي ظرف.
وحول الميزانية وتأثيرها على قرارات الشركات من حيث التوزيع النقدي أو الاحتفاظ بها بشكل أرباح، قال الجبرين: إذا كانت الشركة معتمدة على التصدير اعتماداً كاملاً فهي لن تستفيد من ارتفاع الانفاق الحكومي، أما الشركات التي تعتمد على السوق المحلي فسيستوعبها الإنفاق الحكومي مثال شركات التعمير، فزيادة الإنفاق في الميزانية يجبرها على أخذ ذلك في الحسبان لتدخل في تنفيذ المشروعات باحتجاز أرباحها لما تحتاجه من شراء معدات وغيرة لتنفيذ هذه المشروعات, أما توزيع الأرباح فهي سياسة معقدة فأحياناً تدل على أن الشركات لم تتأثر وأنها توزع أرباحاً لإيهام المستثمرين بأنها رابحة، ولكن ذلك سينكشف عاجلاً أم آجلاً عندما تتم مراجعة قوائمها المالية. وهناك شركات تلتزم بسياسة توزيع أرباح سنوية وتستمر على هذا النهج سنوات طويلة إلا في حالات الأزمات الشديدة.
وحول تأثير النتائج المالية للشركات على مسار سوق الأسهم قال الجبرين إن السوق سيتأثر ولكن بدرجة غير مؤثرة، وأتمنى أن يكون التأثير إيجابياً ولكن السوق تأثر بالأزمة العالمية وكان تأثيراً غير مبرر، فنحن جميعاً شاهدنا هبوطاً في أسعار الشركات غير مبرر لكل المحللين. وهناك تأثير العامل النفسي, فكثير من الشركات تغري للشراء حسب التحليل الأساسي، ولكن المتداولين يرون العكس، والسبب الأزمة العالمية التي تفقدهم الثقة.
وحول رؤيته لأفضل القطاعات للاستثمارية، قال الجبرين إن القطاع المالي هو القطاع الرائد في الاستثمار، والمستثمر لابد له من انتهاج سياسة التنويع في الاستثمار. وحول قطاع الأسمنت يقول الجبرين: مع هبوط أسعار العقار فهي مشجعة بسبب انخفاض أسعار الحديد كمكون رئيس للبناء والإنشاء مما سيعزز عمليات البناء، كما أن زيادة الإنفاق الحكومي في ميزانية العام 2009م لدعم البنى التحتية ستخدم هذا القطاع، ولابد أن أوكد أن الفرص الاستثمارية في السوق السعودي متوفرة ومميزة.
وحول تأثر نفسيات المتداولين، قال الجبرين: هي بالأصل متأثرة من جراء الأزمة العالمية، كذلك النتائج قد تتاثر قليلاً، كما أن عدم توزيع الأرباح له أثره، ولكن الهدف من الاستثمار يستهدف المدى الطويل ونمو رأس المال. صحيح هناك تأثير ولكن قد تكون بعض الشركات تمتنع عن التوزيع بسبب التوسع أو دخولها في مشروعات توسعية
وحول موعد إنجلاء الأزمة المتوقع، يقول دكتور الجبرين: كنت أتوقع أن تنجلي في منتصف 2009م، ولكن الآن أعتقد أنها ستطول قليلاً إلى نهاية 2009م أو بداية 2010م. ولابد أن نتعاطى معها في سياق أزمة طارئة وليست دائمة، ثمّ تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.
وحول ذات القضية يقول الاقتصادي فضل البوعينين إنّ نتائج الشركات للربع الرابع من 2008م ستختلف بحسب القطاع الذي تعمل فيه، بعض القطاعات يفترض أن تحقق نتائج إيجابية ونمواً معتبراً على أساس أنها حققت أرباحاً فاقت التوقعات في النصف الأول إضافة إلى استقرار مبيعاتها في النصف الثاني ما يعني إمكانية تحقيقها نمو في الأرباح. وقد يشهد قطاعي البنوك والبتروكيماويات إنخفاضاً في النمو بالنسبة للربع الرابع إلا أنها ستبقى في خانة الأرباح. كما أن عدد محدود جداً من البنوك قد تشهد نتائجه تغيراً ملحوظاً في الربع الأخير من السنة. وأضاف البوعينين: سيحدد قطاع البنوك قرار التخلص من الديون المتعثرة وشكل النتائج النهائية وإن كنت أرى أن تذهب البنوك نحو التخلص من أية أعباء مالية في ميزانية العام 2008 لتبدأ أكثر قوة ومتانة هذا العام. كيفما تكن النتائج يجب أن يعي الجميع أن الربع الرابع من السنة الماضية شهد خروج شركات عالمية من السوق، واهتزت فيه دول عظمى بسبب الأزمة العالمية، في وقت حققت فيه الشركات السعودية أرباحاً وإن انخفضت نسبة نموها في الربع الرابع، لذا يجب أن نكون منطقيين في التوقعات، ومسؤولين في ردود الأفعال، وربط الواقع بالأسباب والمسببات الوقتية التي يبدو أنها في بداية إنقشاعها بإذن الله.
وعن تأثير الأزمة على أداء الشركات يقول البوعينين: تختلف آثار الأزمة باختلاف القطاعات. قطعاً فإن القطاع البتروكيماوي، وقطاع المصارف كانا من المتضررين من الأزمة إلا أن ضررهما يبقى ضمن نطاق المعقول، في الوقت الذي كان من المفترض أن تكون فيه القطاعات الأخرى بعيدة عن انعكاسات الأزمة، إلا أن السوق السعودية تعاملت بسلبية شاملة مع الأزمة وأصابت جميع أسهم الشركات بأثارها الحادة. أما ما يتعلق بالربحية فأعتقد أن شركات قطاعي المصارف والبتروكيماويات كانت أكثر تأثراً بتداعيات الأزمة.
وحول تأثير موازنة العام 2009م وأثرها على قرارات الشركات في تقسيم أرباحها بين التوزيعات النقدية والاحتياطيات، يقول البوعينين: قطعاً كان لميزانية العام 2009 تأثيراً على متخذ القرار في الشركات المساهمة. فإستراتيجية الشركة في العام القادم تحدد القرار الأمثل والمفاضلة بين التوزيعات النقدية والاحتياطات. ميزانية العام 2009 تحتاج من بعض الشركات إلى التوسع، وهذه تحتاج إلى أموال ضخمة تستدعي تعزيز الاحتياطات على حساب التوزيعات النقدية. بعض الشركات لديها احتياطات ضخمة وهو ما دفعها نحو التوزيعات النقدية، مع الأخذ في الحسبان إمكانية استغلال الاحتياطات السابقة في التوسعات القادمة. غير أن بعض الشركات استخدمت التوزيعات النقدية للمحافظة على أسعار أسهمها في السوق، وبعضها الآخر إرتأى تلبية طلبات مساهميها الرئيسين الدافعة نحو التوزيعات النقدية. الحقيقة أن عوامل كبيرة مثل الأزمة العالمية، ميزانية العام 2009، رغبة المساهمين الرئيسين، والنظرة الإستراتيجية لمجالس الشركات، جميعها أثرت في تحيد الأفضلية في إتخاذ قرار التوزيعات أو دعم الاحتياطيات.
وعن توقعاته بانخفاض أرباح الشركات مع تراجع أسعار النفط يقول البوعينين إنّ الوضع الاقتصادي العام هو ما يؤثر فعلياً في أرباح الشركات. وأسعار النفط الحالية تعكس الوضع الاقتصادي العالمي. وطالما أننا نتحدث عن كساد عالمي على الأقل في النصف الأول من العام الحالي فيفترض أن نتوقع تغيراً ملحوظاً في أرباح الشركات. يفترض أن تكون التوقعات منطقية ولا تستبعد انخفاضاً في أرباح بعض الشركات، وهو أمر مقبول ومتوقع أيضاً.
وحول نتائج الربع الأخير وأثرها على سوق الأسهم يقول البوعينين: سوق الأسهم السعودية صححت نفسها دون الحاجة لنتائج الربع الرابع لعام 2008. بمعنى آخر فإن أسعار الشركات اعتمدت على (الخصم) في أسعارها تحسباً لما قد يظهر في نتائج نهاية العام. لذا أقول إن الأسعار الحالية تعكس قيمة الأسهم وفق النظرة التشاؤمية لانخفاض أرباح الربع الرابع من العام 2008م ما يعني استباق الأسعار لإعلانات النتائج. إذا جاءت النتائج وفق النظرة التشاؤمية التي عمت السوق والمتداولين فيفترض ألا تغير كثيراً في الأسعار الحالية (المعدلة) وفق نظرية الخصم (Discount)، وإن جاءت النتائج جيدة مخالفة للنظرة التشاؤمية فيفترض أن تشهد السوق نمواً مطرداً، وأن تعود الأسعار إلى أسعارها المستحقة التي فقدتها لأسباب لا يمكن القبول بها.
وعن العامل النفسي وأثره في سوق الأسهم سألته الجزيرة: كيف تتوقع أن تتقبل نفسيات المتداولين نتائج الشركات؟ وهل سيكونون بين مطرقة تراجع السوق وسندان عدم وجود توزيعات نقدية لأسهمهم؟ وما هو تأثير ذلك على مستواهم المعيشي؟ فأجاب بقوله: أولاً يجب أن نشير إلى أن كفاءة السوق السعودية محدودة فيما يتعلق بتفاعلها مع النتائج المالية التي يفترض أن تكون المحرك الحقيقي للسوق واتجاهات أسعار الأسهم. والشواهد كثيرة؛ السوق السعودية تخضع لسيطرة وتحكم المتصرفين في السوق أكثر من خضوعها للأساسيات. يمكن أن تحقق شركة خاسرة ارتفاعات قياسية، وتتعرض الشركات الرابحة لضغوطات مفتعلة تفقدها أسعارها المستحقة!. من وجهة نظر خاصة أعتقد أن السوق السعودي تسير وفق إستراتيجية يرسمها كبار المضاربين ويهيؤون البيئة المحيطة لتنفيذها. حالة المتداولين النفسية تصنعها أيضاً تحركات بعض كبار المضاربين من خلال رسم الإغلاقات، وحركة الأسعار، وذبذبات المؤشر الحادة، منتديات الأسهم، الشائعات، وأيضاً من خلال التعليقات الإعلامية في بعض الأحيان.
وعن التوزيعات النقدية يقول البوعينين: التوزيعات النقدية ستكون بلا شك تعويضاً مؤقتاً عن إنخفاض الأسعار، وهذه لن تكون إلا في الشركات الرابحة، أما الشركات الخاسرة فلا مجال فيها للتوزيعات النقدية، وهو ما سيؤثر قطعاً في نفسيات المستثمرين، وربما يدفعهم للتخلص من أسهمهم لمواجهة متطلبات الحياة. التوزيعات النقدية ستكون مهمة لدعم السوق، وتعويض الخاسرين عن فترة احتفاظهم بأسهم خاسرة لعام مضى.
أضاف البوعينين: كل ما أتمناه أن تخرج السوق من (غرفة العناية الفائقة) إلى الفضاء الفسيح مستمدة قوتها من قوة الاقتصاد، التفاؤل العام الذي يدعمه ولي الأمر، ومتانة الشركات السعودية وقوة مراكزها المالية. السوق السعودية تستحق أفضل مما هي عليه الآن، ومن الظلم تركها في مستنقع الانهيار تضغط على نفسيات المواطنين وتفقدهم ثرواتهم دون أن تجد التدخل الأمثل لمعالجتها وكف يد المخربين عنها.
وعن توقعاته بدعم نتائج الربع الأخير لسوق الأسهم يقول الدكتور محمد المغيولي: تأتي صعوبة التنبؤ بمستقبل الأسواق المالية بشكل عام وأسواق الأسهم بشكل خاص من مشكلة تعاقب وإحياناً إتحاد أو تضاد عوامل الخطر في تأثيرها على الأسواق، فتارة نجد أن الأسواق تتحرك بفعل عوامل مالية - محاسبية تحكمها أساليب التحليل الأساسي أو قد تكون بفعل عوامل فنية - تقنية تحكمها أساليب التحليل الفني، أو بفعل عوامل مشتركة كما حصل خلال الفترة الذهبية للسوق 2003 - 2005، وتارة أخرى نجد أن الأسواق تتحرك بفعل عوامل اقتصادية بحتة كما هو الحال الآن ومنذ شهر سبتمبر 2008م. وفق هذا المنطق وعلى افتراض أن العوامل المالية - المحاسبية هي العوامل المؤثرة الوحيدة في سوق الأسهم السعودي في الوقت الحاضر، نرى أن السوق سيتأثر سلباً ولكن سيعتمد حجم التأثر على حجم وشمولية الانخفاض المتوقع في أرباح الشركات.
وعن توقعاته لنتائج أداء الشركات للربع الرابع من 2008م يقول أستاذ المحاسبة بجامعة الملك سعود د. محمد المغيولي: إن انخفاض الأرباح للربع الرابع من عام 2008م لمعظم الشركات أمر متوقع بل ومقر به من بعض الشركات، أنما غير المعروف هو حجم الانخفاض ومدى شموليته. وهذا بالضبط هو ما أعتبره الخطر الحقيقي للحالي الذي سيحدد مصير السوق في الربع الأول من عام 2009م على اعتبار أن الانخفاض بشكل حاد وشامل قد يعطي دلالة على استمراريته للربع الأول من عام 2009م.
وحول تأثير الأزمة على أداء الشركات يرى المغيولي أنّ معظم التوقعات الحالية تشير إلى أن ركود الاقتصاد العالمي سيصل إلى ذروته في منتصف عام 2009 م وأن بوادر الانتعاش ستبدأ بالظهور في نهاية العام، وعلى أساس هذه التوقعات أرى أنه ما زال للأزمة العالمية إمكانية التأثير في أداء الشركات خاصة في الربع الأول من عام 2009م.