ما الذي ينقص السوق السعودية؟.. الكثير قطعاً، إلا أنها تبقى أكثر حاجة إلى (الثقة) خصوصاً في مثل هذه الظروف الحرجة. الثقة أشبه ما تكون بالحلقات المترابطة، تكسب بعضها البعض قوة ومنعة، وتصلها إلى نقاط متقدمة لم تكن لتصلها لولا بناء حلقاتها المتواصل.
أكثر من ثماني جلسات تداول أغلقت فيها السوق السعودية على إيجابية متفائلة، وكأنها تحتفل بدخول العام الهجري الجديد. قد قيل في الأثر، (الخضرة والماء والوجه الحسن) وخضرة السوق تضمن للمواطنين، ولا أقول المتداولين فحسب، تحقيق المزايا الثلاث في وقت واحد، فالسعادة تجعل الإنسان ينظر إلى العالم بعيون ترى كل ما حولها جميلاً، وإن لم يكن كذلك. خضرة السوق باتت مفتاح السعادة لغالبية المواطنين، والمسؤولين على حد سواء. خضرة السوق ملأت أيضاً وجه حسناء قناة (العربية) (لارا حبيب) بالسعادة والإشراق وهي الجادة في تعابيرها، الدقيقة في أسلوبها التحليلي لأرقام مؤشر السوق.
السوق السعودية استطاعت منذ 27 ديسمبر الماضي بناء الثقة تدريجياً بتداولات متدنية بلغت 2.9 مليار ريال، ومكاسب محدودة تحولت إلى مكاسب متتابعة أعادت بعض ثقة السوق المفقودة. نقاط المؤشر الخضراء لثماني جلسات متتالية فرضت على كثير من منتظري (القيعان السحيقة) الدخول الحذر، ما رفع حجم التداولات إلى ثمانية مليارات ريال وساعد في تحقيق مكاسب إضافية قلبت حالة تشاؤم المتداولين إلى تفاؤل محمود. فرضت السوق (الثقة) باستقرارها، ونموها المتزن، دون أن تحصل على دعم المسؤولين!! الذي لم يأتِ حتى اليوم. تحمل مسؤولية حماية السوق، وإحاطتها بسياج الثقة الرسمية المبنية على خطوات علاجية عاجلة كان من الممكن أن يساعد في تقليص خسائرها إلى النصف.
حركة السوق في الأيام الماضية، تؤكد أن الثقة قادرة على انتشال السوق من مستنقع الانهيار في فترة زمنية قصيرة، ودون الحاجة لمراجعة دراسات اللجان المختصة التي أنهت أكثر من عامين وهي تحاول دراسة أسباب (الانهيار من القمة، والانهيار من القاع) في عامي 2006 و2008 وما تلا ذلك من هزات ارتدادية حادة. كنت واثقاً من أن عامل (الثقة) يمكن أن يكون العصا السحرية في يد كل من أراد إنقاذ السوق والمتداولين من مستنقع الانهيار، وهي التوصية التي لم أنفك من كتابتها وترديدها في كل مناسبة، مطالباً المسؤولين في الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة بسوق الأسهم بالأخذ بها وتطبيقها. لم يكن طريق الوصول إليها طويلاً، كما حدث لأعضاء اللجان المتخصصة، بل خرجت في لحظتها، كما خرجت من أفواه بسطاء المراقبين الذين أنتمي إليهم. لا يمكن للأسواق المالية أن تحقق الاستقرار والنمو في بيئة تحفها الشائعات، ويغشاها الغموض، ويتبرأ منها الأقربون، وإن كانت الابنة البكر لأعظم اقتصادات العالم. غرس الثقة يمكن أن يعيد بناء السوق المنهارة، وفقدانها يمكن أن يحيل السوق العامرة إلى ركام. لذا نجد أن معظم تصريحات قادة العالم منذ ظهور الأزمة العالمية ركزت في مضمونها على إعادة الثقة إلى الأسواق المالية التي من خلالها يمكن ضمان دوران السيولة في اقتصادات العالم. مئات المليارات من الدولارات لم تكن كافية لضمان تحقيق النتائج الإيجابية، بقدر ما كانت عاملاً مساعداً لإعادة الثقة، الركن الرئيس في خطط الإنقاذ العالمية.
الثقة التي اكتسبتها السوق السعودية الأيام الماضية ما زالت هشة وتحتاج إلى دعم حقيقي من الجهات الرسمية، الصناديق السيادية، صناع السوق، المتداولين، ووسائل الإعلام. وتحتاج أيضاً إلى حماية خاصة تُبعدها عن حقول الألغام التي يتعمد البعض زرعها في طريق عودتها المباركة. السوق السعودية صححت (انهارت) بما فيه الكفاية، واستبقت بتصحيحها الجائر جميع الأخبار السلبية، ووصلت مرحلة الموت والاندثار، لولا عناية الله؛ وها هي تحاول العودة من جديد، تسأل عن الرقيب، وتبحث عن الثقة التيحُرمَت منها؛ فهل تجدها أم تعود إلى ما كانت عليه؟
f.albuainain@hotmail.com