الرياض - عبد الله الحصان
تتعالى الأصوات حالياً وتتداعى للتأثير على الجهات التنظيمية بالسماح للشركات بشراء أسهمها، سواء أكان هذا القرار على وشك الصدور كما يروج له البعض أو أنه تحت الدراسة كما صرح بعض المسؤولين، فإن قراراً كهذا لابد أن تستكمل الرؤية حوله لكي لا تتعمق الجراح وتتعزز بيئة جديدة للأخطاء. هذا القرار يعيد السؤال للمربع الأول حول مهمة الإدارة وهل تعنى بتطوير أدائها التشغيلي وتنمية نشاطاتها بمشروعات وتوسعات فعلية تنعكس على سهم شركتها المتداول أم تكتفي بمراقبة السهم في السوق وتصحيح مساره!
(الجزيرة) سألت عدداً من المتابعين للشأن الاقتصادي بعد أن كثر المطالبون بصدور مثل هذا القرار بحجة أن أسعار بعض الشركات في سوق الأسهم لا تتواءم مع أحجامها وأرباحها التشغيلية.
بعض الاقتصاديين ما زال يصر أمام هذا الرأي ويؤكد استحالة تطبيق هذا القرار في سوق يفتقد لكثير من الجوانب التنظيمية ويتميز بسيطرة مضاربية في أغلب تداولاته أفقدت المتداول ثقته في وضع مدخراته كاستثمار في سوق الأسهم.
أستاذ الاقتصاد الدكتور فهد بن جمعة قال: (إن تطبيق هذا القرار قد يبعد الشركات عن أعمالها التشغيلية من التوسع أو الاستحواذ أو تطوير منتجات جديدة أو توزيع أرباح نقدية على حملة الأسهم مباشرة)، مضيفاً (أن أهداف الشركات الاستثمار واقتناص الفرص وليس شراء أسهمها ما قد ينعكس على أدائها وفعاليتها).
وبرر ابن جمعة حديثه بأن الشركات قد تنشغل في شراء وبيع أسهمها وتبتعد عن أهدافها التشغيلية، مبيناً أن تحديد نسبه شراء الشركات لأسهمها قد لا يكون ذا فعالية في رفع أسعار أسهمها إذا ما كان عدد الأسهم كبيراً والإدارة غير قادرة على تحسين أدائها لانخفاض الطلب على منتجاتها أو خدماتها في ظل التأثر بالركود الاقتصادي العالمي وتضخم الأسعار وغياب الإفصاح والشفافية بالإضافة إلى الهيكل الحالي لسوق الأسهم وسيطرة الأفراد بدلاً من المؤسسات على السوق والتي تعد جميعها محفزة على المضاربات الحادة وتشويه آلية السوق.
وحول إمكانية تأثير هذا القرار لو طبق على سوق الأسهم ومدى مساعدته للحد من انخفاض السوق قال ابن جمعة (قد يساعد لكن أشكك في مدى فعاليته وقد يخلق تعارضاً بين مصالح المستثمرين وشراء الشركات لأسهمها بدلاً من التركيز على العمليات الإنتاجية الحقيقية التي تؤدي إلى استقرار أسعار وإرباح الشركات في المدى الطويل).
من جانبه أيد أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور مقبل الذكير تطبيق هذا القرار كونه جزءاً من منظومة الاقتصاد وقال (من حق أي شركة أن تعيد شراء أسهمها إذا تدنت أسهم الشركة لمستوى تعتقد أنه لا يتوافق مع أداء الشركة التشغيلي).
وأضاف الذكير: (يجب أن يصدر مع هذا القرار إضافات تعطي للمنظم كهيئة السوق المالية الحق في التدخل في حال لاحظت الهيئة أن الشركة باتت تقوم بمضاربة أوصلت من خلالها أسهم شركتها لقيم سعرية مبالغ فيها ولا تتناسب مع معطيات الشركة التشغيلية كأن تطلب الهيئة منها معلومات توضح فيها الأسباب وأن تضع قيوداً للشركات).
وحول إمكانية استخدام بعض الشركات مثل هذا القرار لمحاولة رفع سعر الشركة كون ربحية السهم تعتبر أحد أهم مقاييس الأداء الكلي للشركات، قال الذكير (إن رفع سعر الشركة ليس في مصلحتها ولا يمكن أن يؤثر على المستثمر طويل الأمد).
أما المحلل الدكتور محمد العجلان فعلق على إمكانية إصدار قرار كهذا قائلاً: إذا تم تطبيق قرار كهذا فلا يعدو كونه معياراً من المعايير التي يحتاجها السوق. مشيراً إلى أنه يرى فيه نوعاً من أنواع التوزيعات النقدية للشركات.
وأضاف العجلان (أن المستفيد الأكبر من هذا القرار إذا طبق هو الشركات التي لديها سيولة كبيرة)، مضيفاً (أن القرار يعتبر داعماً للسوق ولكن ليس كما ضخمه بعض الاقتصاديين كون هناك شركات كثر لا توجد لديها سيولة للشراء وأن سوق التمويل انخفض عما كان عليه بالسابق بالإضافة إلى أن الشركات لا تقدم عادة لشراء أسهمها حينما تكون أسعارها مرتفعة أو غير عادلة من منظور اقتصادي).
ورأى العجلان في نهاية حديثه أن هذا القرار لو طبق فإنه يضع الكرة في مرمى الشركات، وقال (حتى لو لم تستطع الاستفادة منه في الوقت الحالي بسبب التغيرات التي أصابت قطاع التمويل البنكي جراء الأزمة المالية العالمية).
جدير بالذكر أن الدوافع التي تحفز الشركات لشراء أسهمها كما يراها الاقتصاديون عادة ما تكون لعدد من الغايات كتعظيم العائد: بأن تشتري الشركات أسهمها عندما ترى أنها أفضل طريقة لاستثمار رأس المال المتراكم لديها، وعندما تكون الأسعار متدنية من أجل تعظيم العائد على الأسهم، وكذلك بهدف رفع الأسعار: كأن تشتري الشركات أسهمها عندما تكون القيمة السوقية لأسهمها غير عادلة نتيجة ضعف أرباحها المتوقعة أو الشائعات السلبية أو تداعيات خارجية يعيد الثقة في مستقبل تلك الشركات ما يرفع من أسعار أسهمها. بالإضافة إلى تحسين معدلاتها المالية: كأن تشتري الشركات أسهمها من أجل تحسين معدلاتها المالية نتيجة لتخفيض عدد الأسهم القائمة الذي يؤدي إلى رفع قيمتها. لكن ذلك يؤدي إلى تخفيض قيمة أصولها حيث إن النقدية جزء من تلك الأصول ما يرفع معدل العائد على الأصول (ROA), ويرفع أيضاً معدل العائد على حقوق المساهمين (ROE)، وكذلك مكرر الأرباح. وعلى ذلك تصبح نظرة السوق إيجابية لارتفاع تلك المعدلات.
وأخيراً فإن من هذه الأسباب تذويب الأسهم غير العادية: كأن تشتري الشركات أسهمها العادية زائداً الأسهم القابلة لتحويل إلى أسهم عادية مثل: الأسهم الممتازة, العمليات الخيارية ذات السعر والزمن المحدد، الضمانات, السندات من أجل تخفيض عدد أسهمها. كما أن ربحية السهم تعتبر أحد أهم مقاييس الأداء الكلي للشركات، وتكمن أهميتها بسبب دخولها في حساب نسب مالية أخرى تستخدم جميعها في عملية تقييم أداء عمل المديرين التنفيذيين من قبل جمهور المستثمرين ومحللي الأسواق المالية.