بعد عام مرير اعتبر هو الأسوأ على الإطلاق، خسرت فيه أسواق الأسهم في كل أنحاء العالم ما مقداره 41% من قيمتها السوقية أو ما يعادل 28 تريليون دولار أمريكي، يقف المتداولون في كل أنحاء العالم مترقبين ما ستسفر عنه نتائج الشركات عن الربع الرابع لعام 2008م، إذ إن هذا الربع سيوضح حجم الضرر الحقيقي الذي لحق بالشركات العالمية والمحلية على حد سواء..
ارتفاع السهم وانخفاضه هو نتيجة طبيعية لأداء الشركة المالي عن فترة محددة، وهذه الفترة قد تكون سنة أو نصف سنة أو ربع سنة (ثلاثة أشهر)، والإعلان عن النتائج يعتبر نقطة الفصل بين التكهنات والواقع، وهي النقطة التي يتم على أساسها وضع التقييم العادل والمنطقي للسهم عطفاً على المؤشرات المالية للشركة ذاتها، ومقارنة بمثيلاتها من شركات تقع في نفس القطاع أو الصناعة أو السوق المحلي أو الإقليمي أو العالمي..
بعد انتهاء الربع الرابع في 31 ديسمبر 2008م، تتجه الشركات إلى إعداد قوائمها المالية الثلاث، وهي الميزانية Balance Sheet، وقائمة الدخل income Statement، وقائمة التدفق النقدي Cash Flow Statement، وهي القوائم التي تعكس أداء الشركة عن الفترة المالية المحددة، ومن المهم جداً أن نحاول فهم ما هي النقاط التي يجب التركيز عليها عادة في مثل هذه الفترة التي تكثر فيها إعلانات النتائج..
قائمة المركز المالي Balance Sheet هي القائمة التي تظهر أصول وخصوم الشركة وحقوق ملاكها في لحظة ما، وعادة ما تكون هذه اللحظة هي نهاية السنة الميلادية في 31 ديسمبر أو نصف السنة في 30 يونيو أو ربع السنة.. وتستمر قائمة المركز المالي مع المشروع وطيلة حياته، وهدفها الأساسي هو إعطاء صورة للشركة.. فعند طرح الخصوم من الأصول نحصل على حقوق الملكية وهي القيمة الحقيقة للشركة إذا تم تصفيتها في لحظة ما، ويجب أن نتوقف بعض الشيء عند هذه النقطة، فلا بد أن تظهر ميزانيات الشركة قيمة حقيقة للشركة مقاربة للواقع الحالي في حال التصفية..
لذلك يجب أن تقوم الشركة بإظهار بند المدينين أو العملاء بصورة دقيقة بعد استبعاد الديون المعدومة وعمل مخصص واقعي للديون المشكوك في تحصيلها، ليظهر هذا البند أو هذان البندان بشفافية وواقعية.. كما يجب أن يظهر بند المخزون السلعي تقييما حقيقيا وواقعيا للمخزون السلعي وبالقيمة الحقيقية الحالية أو متوسط القيمة الحقيقية خلال الفترة المحاسبية التي نحن بصددها، كما يجب أن يتم التعامل مع استهلاك الأصول الثابتة وإطفاء مصاريف التأسيس بواقعية؛ لأن التعامل مع البنود التي ذكرتها بطريقة أو بأخرى يؤدي إلى ضررين كبيرين، الأول: تضخيم حقوق الملكية وبالتالي ظهورها بصورة غير حقيقة، والثاني: تضخيم أرباح الشركة وبالتالي التأثير على تقييمها في السوق..
قائمة الدخل (أو ما كان يعرف في السابق بحساب الأرباح والخسائر)، هي قائمة تضم الإيرادات والمصروفات، وترشدنا إلى نتيجة أعمال الشركة أو المشروع عن فترة محددة، وهذه القائمة مدتها قصيرة تنتهي بانتهاء الفترة المحاسبية المحددة، ليس كقائمة المركز المالي التي تستمر طيلة عمر المشروع.. وهذه القائمة هي التي تعطينا حجم المبيعات وتكلفة المبيعات والربح الإجمالي ومقدار المصروفات وأخيرا تعطينا الربح الصافي، وبتقسيم الربح الصافي بعد الضرائب (الزكاة في السعودية) على عدد الأسهم، نحصل على مقدار الربح للسهم الواحد، وبعدها تقرر إدارة الشركة كم هو مقدار التوزيع من الربح المتحقق حسب سياساتها الداخلية ورؤيتها لأثر التوزيعات على أداء السهم.. فالتوزيع في بعض الأسواق يعتبر خبراً إيجابياً، في حين لا يعتبر إيجابياً في الكثير من الأسواق المتقدمة، نظرا لأن التوزيع هو قيمة ستطرح من القيمة الدفترية للسهم، ولأن التوزيع يعطي إشارة على أن الشركة بدأت تتحول من شركات النمو التي تحتاج الكاش لتمويل عملياتها المتسارعة، إلى شركة دخل وهي الشركات بطيئة النمو والتي لا تجد مكانا لاستثمار الكاش فيه، فتفضل توزيعه على حملة الأسهم..
قائمة التدفقات النقدية، هي القائمة التي توضح التدفقات النقدية الداخلة والتدفقات النقدية الخارجة، والفرق بينهما يمثل حجم الفائض النقدي أو العجز النقدي المطلوب تغطيته بالاقتراض أو غير ذلك من الطرق، وهذه القائمة تركز على التدفقات النقدية فقط دون النظر إلى البنود التي لا يصاحبها تدفق نقدي كالاستهلاك أو الإطفاء أو الإيرادات المؤجلة أو غير ذلك.. وتعتبر هذا القائمة هي الأقل أهمية بالنسبة للمتداول في أسواق المال، في حين أنها مهمة لإدارة الشركة لتجنب عجز السيولة الذي قد يؤدي إلى الإفلاس أو تأخر سداد المستحقات المهمة كالإيجارات والأجور وغيرها..
ما يهم المتداولين في أسواق المال هو التالي:
1 - جميع المقارنات لا بد أن تتم بين ربع السنة ومثله في السنة الماضية، بمعنى نقارن الربع الرابع عام 2008م بالربع الرابع 2007م، ولا يجوز مقارنة الربع الرابع بالثالث، لأن المقارنة لن تكون دقيقة، حيث إن الربع الرابع قد يكون به موسم معين، في حين أن الربع الثالث لا يكون فيه موسم..
2 - المقارنات لا بد أن تكون لعدة فترات أو عدة سنوات لمعرفة اتجاه نتائج الشركة، فلا يكفي أن نقارن النتائج السنوية لشركة ما بنهاية عام 2008م بنتائج 2007م ، بل يجب أن نقارنها بنتائج 2006 و2005 أيضاً.. لأننا إذا اكتشفنا أن أرباح الشركة في عام 2005 مثلا كانت مليوناً وفي 2006م مليوناً ونصف، وفي 2007 مليونين، وفي 2008 مليونين ونصف، عندها نعرف أن الشركة مستمرة في النمو وأن إدارتها تستطيع التغلب على الظروف وتحقق مستويات مضطردة من النمو.. كذلك نستطيع أحيانا أن نستنتج تباطؤ نسب النمو السنوي أو تسارعها من خلال هذه المقارنة، وهو ما يعطينا تنبؤاً أفضل بمستقبل الشركة في السنوات القادمة.
3 - الأرقام المهم النظر إليها هي: الإيرادات أو المبيعات، والأرباح الإجمالية، والأرباح الصافية، والربح الصافي للسهم الواحد.. وكما ذكرنا فإن الأرقام ستصبح بلا قيمة إن لم يتم مقارنتها بالأعوام أو الأرباع السابقة ووضع ذلك في صورة نسب مئوية.. مثلاً: نقول إن شركة (س) حققت ارتفاعاً في الأرباح الصافية مقداره 40% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.. ولن نستفيد شيئاَ إذا قلنا إن الشركة حققت أرباحا مقدارها 3 مليار ريال..
4 - من المهم أن نقارن نسب الأرباح أو نسب الإيرادات التي توصلنا إليها بالشركات المنافسة أو متوسط الصناعة، فنقول مثلاً: إن شركة (س) حققت ارتفاعاً في الأرباح الصافية مقداره 40% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، في حين أن المنافسين حققوا ارتفاعات مقدارها 30% فقط، وأن متوسط أرباح السوق هو 20% فقط، وبذلك نستطيع معرفة أفضل الشركات وتكون الصورة أكثر وضوحاً..
5 - لا بد من الاهتمام بنظرة الشركة وتوقعاتها لنمو الأرباح والإيرادات وخططها التوسعية والحصة السوقية لمنتجاتها..
6 - هامش الربح الإجمالي، هو نسبة مهمة لا بد من الاطلاع عليها ومقارنتها بتاريخ الشركة والشركات المنافسة.. فعند طرح تكلفة المبيعات من المبيعات نحصل على رقم معين، ثم نقوم بقسمته على المبيعات نفسها لنحصل على هامش الربح الإجمالي.. وسأضرب مثالا لتوضيح أهمية هذا الهامش أو هذه النسبة.. دعونا نفترض أن الشركة التي نتحدث عنها تبيع شاشات تليفزيونية، الشركة باعت 100 شاشة بقيمة 1000 ريال، يعني المبيعات 100.000 ريال، تكلفة الشاشة الواحدة هي 800 ريال، يعني تكلفة البضاعة المباعة هي 800.000 ريال، وبطرح الرقمين نحصل على أن الربح الإجمالي هو 20.000 ريال ويعادل 20% من المبيعات، وتسمى هذه النسبة هامشا إجماليا لأننا لم نطرح منها المصروفات التسويقية والإدارية والمالية والاستهلاك وغير ذلك من أنواع المصروفات..
هامش الربح الإجمالي لا بد أن يظهر ارتفاعاً سنة بعد سنة أو على الأقل ثباتاً، لأن انخفاض هذا الرقم سنة بعد سنة، يدل على عدة حقائق، منها: أن تكون المنافسة السعرية في الأسواق قوية وأن الشركة اضطرت إلى تخفيض أسعار البيع، أو أن تكلفة المواد المشتراة أصبحت مرتفعة..
وعندما ينخفض هذا الهامش عندها تصبح الشركة غير قادرة في الأغلب على تغطية بقية مصروفاتها التي ذكرناها، وعندها تبدأ الأرباح الصافية بالانخفاض، أو تبدأ الخسائر بالتحقق، أو تلجأ الشركة إلى اتخاذ الإجراءات التصحيحية بخفض الموظفين أو خفض ميزانيات التسويق والإعلان، أو مزيج من الإجراءات التصحيحية..
7 - الربح للسهم الواحد أو ما يعرف بـ EPS) Earning Per Share) مهم جدا لأننا سنستخدمه في الوصول إلى أحد أدوات تقييم السهم، وهو مكرر الربحية P/E ، فمكرر الربحية هو ناتج قسمة السعر السوقي على الربح للسهم الواحد، والربح للسهم الواحد هو لمدة 12 شهراً وليس لربع سنة، وهذه من النقاط التي يخطئ فيها الكثيرون باستمرار..
مكرر الربحية يعني الفترة الزمنية التي ستسترد فيها رأسمالك إن أخذت أرباح السهم المتحققة، فعندما نقول إن مكرر ربحية الشركة (س) هو 5 مرات، فهذا يعني أننا لو احتفظنا بالسهم لمدة 5 سنوات وأخذنا الأرباح الصافية المتحققة فإننا سنسترد رأسمالنا في 5 سنوات..
ما ذكرناه اليوم هو نبذة بسيطة وسريعة عن كيفية قراءة القوائم المالية، وكيفية التعامل معها، وذلك لأننا نقف على بعد خطوات بسيطة من إعلانات نتائج الشركات في كل أنحاء العالم، ويترقب المتداولون في سوق الأسهم السعودية ما ستسفر عنه نتائج الربع الرابع من عام 2008م الذي كان دموياً بحق.. وقد يكون لنا عودة في مقالات قادمة عن الكثير من المفاهيم المالية المتعلقة بالشركات وقوائمها..
ودمتم في رعاية الله..
خبير اقتصادي ومحلل مالي في الأسواق الدولية - الرياض
suhaildarraj@hotmail.com