د. حسن الشقطي
بعد طول انتظار تمكن مؤشر السوق هذا الأسبوع من إحراز ارتداد إيجابي مكّنه من اختراق مستوى الـ5000 نقطة والإغلاق عند 5322 نقطة.. وقد تحسنت حالة السوق كثيراً هذا الأسبوع بفعل الزيادة الملموسة في مستوى السيولة المتداولة لتصل إلى 8.1 مليار ريال يوم الثلاثاء الماضي.. وقد تلقى السوق السعودي العديد من المحفزات الإيجابية هذا الأسبوع، أبرزها خبر ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى 49 دولاراً للبرميل تفاعلاً مع أزمة الغاز الروسية، وأيضاً بفعل مخاوف نشوب حرب في منطقة الشرق الأوسط لزيادة الاضطرابات بسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة.. أيضاً انتعاشة البورصات الأمريكية والأوربية والآسيوية في مسار جماعي صاعد استجابة للارتفاع في أسعار النفط.. كما يعيش السوق هذه الأيام نشوة معتادة وهي نشوة انتظار نتائج أعمال الشركات وبخاصة القيادية منها، فحتى رغم أن الجميع يعلمون أن هذه النتائج قد لا تكون على النحو المرضي مقارنة بنتائج العام السابق مثلاً، إلا أن السوق اعتاد على أن يتفاعل إيجابياً مع ترقب هذه النتائج بصرف النظر عن مكنونها.
بعد 110 أيام.. السوق
يستعيد عافيته
داوم السوق السعودي على الهبوط لمدة وصلت إلى 110 أيام في مسار هابط عنيف لم يتمكن فيه من الحصول على أي ارتداد سوى بعض الارتدادت الضعيفة.. حيث أحرز المؤشر حوالي 5 ارتدادات جاءت قصيرة، وجميعها تلاها جني أرباح لكامل أرباح فترة الصعود... ويُعتبر الارتداد الحالي الذي بدأ منذ 10 أيام تقريباً هو الارتداد السادس الذي يحرزه المؤشر خلال الستة شهور الماضية، والذي نأمل أن يكون بداية لمسار صاعد حقيقي.
أسعار النفط تعكس اتجاهها.. ومؤشر السوق يتبعها!
شهد هذا الأسبوع تفاقم المخاوف الأوربية من انقطاع الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي بفعل التهديد الأوكراني بقطع أو الاستيلاء أو عدم تمرير هذا الغاز عبر أراضيها إلى أوربا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الترانزيت أو توريد الغاز لها.. وقد أدت هذه المخاوف إلى قلق شديد لدى الحكومات الأوروبية التي بدأت في البحث عن إمدادات بديلة للغاز أو حتى عن مصادر أخرى بديلة لطاقة الغاز التي لا يبدو هناك بدائل متاحة غير الغاز الخليجي.. أيضاً فإن الهجوم على غزة كان له تأثير كبير في إثارة مخاوف الدول المستهلكة من انقطاع الإمدادات من الدول المصدرة في منطقة الخليج.. ويوجد هناك عنصر ثالث لا يقل أهمية وهو الإعلانات الرسمية المتتالية لدول نفطية رئيسية (الإمارات وإيران والكويت) عن خفض مستويات إنتاجها التزاماً بما تم الاتفاق عليه في أوبك.. المهم أن ذلك تسبب بشكل رئيسي في ارتفاع أسعار النفط بنحو 48.5% خلال أقل من أسبوعين فقط (صعد السعر من 33 دولاراً في 19-12-2008 إلى حوالي 48.4 دولار في 6-1-2009).. وقد تفاعل سوق الأسهم إيجاباً مع هذه الأخبار بربحية حوالي 519 نقطة أو ما يعادل 10.8% هذا الأسبوع.
تحسن أوضاع الأسواق العالمية
تحسنت أوضاع البورصات العالمية هذا الأسبوع بشكل ملحوظ، حيث أحرزت البورصات الأمريكية الكبرى أرباحاً ملموسة مقارنة بالشهرين الماضيين، حيث ربح مؤشر ناسداك حوالي 20 نقطة خلال يومي الاثنين والثلاثاء، وربح فستي 100 حوالي 77 نقطة، في حين ربح مؤشر نيكي 255 حوالي 221 نقطة خلال ذات اليومين.. وإذ نعتقد أن مؤشر السوق السعودي يعتبر أكثر ارتباطاً بمؤشر نيكي من المؤشرات الأمريكية أو الأوربية، حيث إنه ربح المؤشر السعودي خلال ذات اليومين 241 نقطة.
ترقب نتائج الشركات وزيادة حدة المضاربات الاستباقية
منذ أسبوعين استعاد السوق زمن المضاربات الاستبقائية التي تزداد حدتها عادة خلال فترات ترقب صدور نتائج أعمال الشركات وبخاصة القيادية منها.. وإذ يسعى العديد من المضاربين في السوق إلى تغذية هذه المضاربات بشتى الطرق.. الجميع بالسوق السعودي يعتبرون وجود هذه المضاربات هي الوضع الصحي والمفيد للسوق، وانتعاشها يعتبرونه الوقود المحرك للسوق، ولا بديل عنها لحياته.. لقد عادت مضاربات هذا الأسبوع بأنماط افتقدها السوق منذ شهور، وعادت أسهم لواجهة الأكثر ربحية والأعلى نشاطاً.
الأسماك تربح 132.4%
خلال 3 أسابيع فقط
لقد شهد السوق هذا الأسبوع من جديد بعد طول انتظار عودة سهم الأسماك.. فرغم الانتقادات المستمره لطبيعة التحركات السعرية غير المنطقية للسهم، نتيجة المضاربات العنيفة عليه، إلا أن بعض المتداولين على قناعة تامة - بغض النظر من صحتها أو عدمها - بأن وجود مثل هذه الأسهم قد يكون له مزايا كبيرة للسوق، ولحركة التداول فيه.. وقد أحرز سهم الأسماك ربحية بنحو 132.4% خلال الفترة (15- 12-2008-7-1-2009)، بل إنه أحرز ارتفاعاً بالنسبة القصوى عشر مرات خلال تداولات الـ 17 يوماً الأخيرة.
هل تعود الأسهم المبعدة والموقوفة للتداول الطبيعي؟
فك الحصار عن سهم الأسماك أعاد الحديث من جديد عن فك المبعدين والموقوفين عن التداول.. فتحسن الأوضاع المالية لأنعام أعاد الجدل من جديد حول احتمالات إنهاء إبعادها عن المسار الطبيعي للتداول.. أما عن سهم بيشة، فلا يتوقع أن يعود للتداول الطبيعي، وإن كانت الآمال لتنعقد على عودته لمسار أنعام أملاً في عودته لاحقاً للمسار الطبيعي.
صناديق استثمار..
بأثواب جديدة
من الأمور الملحوظة خلال الفترات الأخيرة، تجدد أطروحات صناديق الاستثمار الجديدة خلال الآونة الأخيرة بشكل أخذت فيه هذه الصناديق سمات جديدة مغايرة عنها في الماضي.. فبداية تنتمي غالبية الأطروحات الجديدة للشركات المالية الجديدة خارج نطاق البنوك.. حتى الصناديق القديمة فقد بدأت تغير من جلدها من خلال تركيز إدارات الصناديق التابعة للبنوك على طرح صناديق جديدة بجانب صناديقها القديمة التي فقد الإقبال الجماهيري عليها في ضوء خسائرها الكبيرة المتراكمة. فتشير البيانات المتاحة عن 39 صندوقاً (المتاح عنها بيانات حتى 31 ديسمبر 2008) إلى أنها خسرت في المتوسط حوالي 41% من إجمالي قيمتها، بل يوجد حوالي 23 صندوقاً خسرت ما يزيد عن 50% من قيمتها، وجاء صندوق الفرص على رأس قائمة الخاسرين بنسبة بلغت 68%.. وحتى الآن تبدو صورة الصناديق الجديدة أفضل حالاً من تلك القديمة التي تعاني من ويلات خسائر كبيرة متراكمة نتيجة لتواجدها بالسوق خلال فترة التصحيح القاسي للسوق.
تأثير أرقام موازنة
2009 على الشركات
لسوء الحظ أن كافة التوقعات التي تبنى لشركات الأسهم في السوق السعودي حتى الآن تقوم على نظرة غير عميقة للسوق على مستوى جميع المحللين تقريباً، وذلك لسبب وحيد أنه لا يوجد عائد أو جهة تمول أبحاثاً أو دراسات متخصصة لسوق الأسهم.. وإذا كانت توقعات أرباح الشركات لكل ربع أو لكل سنة تنال أهمية كبرى، فإن بناء توقعات علمية لهذه الأرباح لفترة مستقبلة على أسس سليمة قد يكون المفتاح السحري للتجميع الصحيح أو أيضاً للأرباح في سوق الأسهم.. وإذا كان هناك العديد من العناصر التي تؤثر في ربحية الشركات على المستوى العام، فإن الإنفاق الحكومي المقدر في الموازنة الحكومية التقديرية يعتبر العنصر الأبرز الذي يمكن أن يلعب الدور الأهم في تحديد مدى حركة النشاط التجاري والاقتصادي لأي شركة، ومن ثم يعتبر المحدد الرئيسي لحجم أرباحها في المستقبل.. لذلك، فإني أوصي ومن خلال هذا الملحق المتخصص في متابعة أسوق المال الذي أضافته صحيفة الجزيرة إلى عمق الوعي بالسوق الى ضرورة القيام برصد وتحليل موازنة العام الجديد كأحد أبرز العوامل التي يمكن أن تتسبب في توجيه الاستثمار إلى القطاع أو الشركات الأفضل والمؤهلة لأن يحدث بها رواج كبير خلال عام 2009.. ولعل أبرز قطاعات عام 2009 التي يتوقع أن تلحق بها الطفرة التجارية أو الانتعاش هي: البناء والتشييد، والتطوير العقاري، والأسمنت، والاستثمار المتعدد، وهي القطاعات الأربعة التي يتوقع أن تستفيد كثيراً وبشكل مباشر من الاعتمادات المخصصة لقطاعات التعليم والتدريب والصحة والتنمية الاجتماعية التي بلغت حوالي 174.4 مليار ريال.
لدينا اكتتاب جديد.. يتطلب موجة صاعدة لكي ينجح
أعتقد أن طرح الشركة الجديدة عذيب، وشركات أخرى قد تتبعها، وبخاصة في ظل انقطاع سيل الأطروحات الجديدة خلال الأشهر القليلة الماضية، يعتبر مدعاة لتوقع استمرار المسار الصاعد أو على الأقل عدم حدوث هبوط جديد، فشركة عذيب تزمع طرح 30 مليون سهم للاكتتاب، هذا الاكتتاب لا يمكن أن يُكتب له النجاح في ظل استمرار المسار الهابط العنيف.. من سُيقبل على شراء أسهم جديدة وهو لا يعرف مصيره في الأسهم القديمة؟.. فما هي قيمة سوق الأسهم إذا لم يكن قادراً على تغطية الاكتتابات الجديدة؟ هذه الاكتتابات من أهم الأسباب التي خُلق السوق من أجلها.. أنا أعتقد أن كثيراً من الأطراف الآن ستحرص على مساندة المسار الصاعد أو على الأقل الحرص على عدم حدوث هبوط جديد لإنجاح هذا الاكتتاب وأيضاً الاكتتابات التي ستأتي بعده.
رغم التفاؤل.. ينبغي الحذر من توصيات التغرير
مطلوب التفاؤل وعدم الخوف ولكن أيضاً مطلوب الحذر وعدم الانخداع.. لا تكن خائفاً فتأكلك الذئاب ولا تكن سهلاً فيخطفك المضاربون... المؤشر أحرز عدد 6 موجات صاعدة خلال الـ 6 شهور الماضية، وجميعها كانت قصيرة وجميعها للأسف وبكل وضوح فشلت في إحراز أي نجاح، بل تسببت في خداع العديد من شرائح المتداولين وتسببت لهم في مزيد من الخسائر.. لذلك، فنحن مطالبون بالتفاؤل والجرأة في التداول، لأنه في مثل أسواق الأسهم لا مكان للضعفاء أو الخائفين.. فسوق الأسهم هو أصلاً محل للمخاطرة، وإذا لم تكن قادراً على تحمل درجة معينة من هذه المخاطرة، فخروجك أولى من السوق.. وقد قلنا منذ أسبوعين إنه ستظهر علينا توصيات تؤكد أن المؤشر سيرتد ولا عودة للهبوط، وهذا غير مؤكد ولا يتصف بالدقة، على الأقل حتى تتأكد لدينا صحة استمرار تحسن الأوضاع العالمية.. بل لا بد أن نتأكد أن قراراتنا الاستثمارية لا تعتمد على محفزات ساخنة من هنا أو هناك قد تتغير في أي لحظة، فتحسن الأوضاع في البورصات العالمية قد يكون قائماً الآن على مضاربات شرسة تستغل مخاوف المستهلكين للنفط من انقطاع إمدادات الغاز لأوربا، وبالتالي فإن قراراتنا هنا تكون معتمدة على عنصر غير اقتصادي وغير مؤكد استمراره.. قد نرى مستوى الـ 6000 نقطة قريباً، ولكن ذلك لا يعني أن السوق أصبح مستقراً تماماً.. من يرغب في الاستثمار فيتخذ قرارات استثمارية بناء على معايير استثمارية، كما أن من يسعى للمضاربة فليكن حذراً ولا يكون متفائلاً باستمرار ورود أخبار إيجابية على الدوام.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com