كتب - المحرر السياسي
عندما استقر الوزراء وممثلو الدول الأعضاء في مقاعدهم لإجراء التصويت على مشروع قرار يلزم إسرائيل بوقف العدوان على غزة، والذي حمل الرقم 1860 جاءت المفاجأة من وزير خارجية فرنسا كوشنير الذي ترأس بلاده مجلس الأمن هذا الشهر؛ عندما طلب رفع اجتماع المجلس وتأجيل التصويت لمدة 24 ساعة لإجراء مزيد من الاتصالات، ودون أن يستمع إلى ردود الأعضاء، غادر الاجتماع، وهنا ثارت ثائرة الأمير سعود الفيصل وهدد بعقد مؤتمر صحفي بصحبة عمرو موسى؛ لفضح الموقف الفرنسي الذي ينمُّ عن مماطلة؛ خدمةً لأهداف العدوان الإسرائيلي وتوافقاً مع أجندة أطراف إقليمية في المنطقة.
وبعد أن علم الفرنسيون بصرامة الموقف العربي عاد وزير خارجية فرنسا وأجرى التصويت على مشروع القرار العربي؛ لتتم المصادقة عليه بـ14 صوتاً وامتناع أمريكا عن التصويت، وهو تصويت مرتفع، ويعد انتصاراً للدبلوماسية العربية . ويرى مَن تابع التحرك العربي في نيويورك أن هذا الإنجاز السياسي سيكون قاعدة للتحرك الدبلوماسي القادم بهدف تنفيذ بنود القرار 1860 .
ويعتقد المحللون السياسيون أن الوفد الوزاري العربي حقق إنجازاً بعيداً عن صخب القصف اللغوي الذي اعتادت عليه بعض العواصم العربية والإقليمية ومحاربة طواحين الهواء مستغلين مأساة أهل غزة لبناء مواقف سياسية خدمة لأهداف باتت مكشوفة.. بعيداً عن كل هذا، واستشعاراً للمسؤولية القومية، كان تحرك الوفد الوزاري العربي برئاسة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ومعه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وتسعة وزراء خارجية عرب آخرين؛ إذ انهمك الوفد وفور وصوله إلى نيويورك في إجراء محادثات جماعية وثنائية وصلت في اليوم الأول إلى اثنتي عشرة ساعة عمل متواصلة أمكنهم من خلالها إقناع وزراء خارجية الدول الأعضاء بمساندة مشروع القرار العربي الذي يركز على الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة وفتح المعابر للسماح للمواد الغذائية وفرق الإغاثة الطبية بالوصول إلى القطاع، وقد خاض الوزراء جلسات ومباحثات مضنية خاصة في ظل إصرار وزيرة خارجية أمريكا ووزيري خارجية فرنسا وبريطانيا على تضمين القرار بنداً يمنع إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية ووضع ترتيبات لوقف إرسال أسلحة لقطاع غزة. وقد أجري على المشروع العربي عدة تعديلات لضمان إقرار من مجلس الأمن وبالإجماع، وفعلاً وافقت الدول الخمس الدائمة العضوية، بما فيها أمريكا التي وعدت وزيرة خارجيتها بالتصويت إلى جانب المشروع. وعندما حانت لحظة التصويت على مشروع القرار بدأت التحركات خلف الكواليس ونشطت الاتصالات الهاتفية حيث تلقت رايس أوامر بوش بعدم التصويت مع القرار واتصالاً من أولمرت برفضه والمطالبة باستعمال (الفيتو) إلا أن الموقف الصارم لرئيس الوفد العربي الأمير سعود الفيصل جعل الأمريكيين يكتفون بعدم التصويت؛ ليتم إقرار مشروع القرار بـ14 صوتاً وامتناع عضو واحد فقط عن التصويت.
"طالع دوليات"