جاء في جريدة الوطن السبت الماضي خبر يقول: (تمكنت شرطة الرياض من إيقاف 9 سعوديين شكلوا عصابة تمارس النصب على المعلمين والمعلمات بدعوى إمكانية نقلهم وتعيينهم مقابل مبالغ مالية تودع في أحد الحسابات الجارية).
هذا الخبر يشير في مضامينه إلى ظاهرة (خطيرة) بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة، وتتجذر في المملكة، وهي (الرشوة) بهدف تجاوز الأنظمة الإدارية. هذه العصابة ربما كانت مجموعة نصابين، أو من يستغلون البسطاء والسذج وسرقة ما في جيوبهم، وكما يقولون: القانون لا يحمي المغفل.
غير أن هناك -بالفعل- عصابات، أو شبه عصابات، تتاجر بعلاقاتها، أو قربها من أولي الشأن، أو من يتولون مناصب تنفيذية، لتمرير هذه المعاملة أو تلك بطريقة غير نظامية، ويتلقون نظير ذلك ثمنا، أو شبه ثمن، كأن يُقايضون علاقاتهم هنا، بعلاقات غيرهم هناك، والنتيجة في المحصلة هي الفساد الإداري والمالي، الذي إذا استشرى في دولة فقل عليها السلام.
هذه (العصابات) التي تتاجر بمثل هذه التجاوزات لم تأت من فراغ، ولم تنشأ دون أن يكون لها ما يبرر وجودها.
غياب النظام المحكم، ووجود (الاستثناءات)، وضعف الرقابة والمحاسبة، هو السبب في الغالب الذي من خلاله تنفذ هذه (الطحالب) إلى الفساد والإفساد. بمعنى أن أي نظام إذا كان يحمل في مضامينه صيغاً (استثنائية) يملك صلاحيتها صاحب صفة إدارية، معنى ذلك أن هذه الثغرة في النظام ستستغل - عاجلاً أو آجلاً- بشكل يسمح للفساد والمفسدين بالمرور؛ وكلما غابت هذه الاستثناءات، أو تم حصرها في أضيق نطاق، تصبح التجاوزات أقل، والفساد بالتالي أقل. وتزداد هذه العلة شيوعاً وتجذراً إذا غابت أو ضعفت أنظمة الرقابة والمتابعة والمحاسبة.
وإذا كان (المال السايب يعلم السرقة) كما يقولون، فإن الثغرات و(الاستثناءات) في الأنظمة والقوانين في ظل غياب أو ضعف الرقابة، تعلم (السرقة) هي الأخرى. الواسطة لا يمكن أن تتواكب مع مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، أما وسيلة انتشارها فهي (الاستثناءات)؛ حاصر الاستثناءات تحاصر الفساد.
وسبق -بالمناسبة- أن جاء في جريدة الوطن العدد رقم 2336 الصادر بتاريخ: 21-02-2007م ما نصه: (قدر اقتصاديون وقانونيون سعوديون حجم خسائر السعودية نتيجة الفساد بكافة أشكاله بمجموع الأموال السعودية المهاجرة التي تقدر بنحو (3 تريليونات ريال). جاء ذلك تعليقاً وترحيباً بقرار مجلس الوزراء السعودي (آنذاك) بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد. ولفت هؤلاء إلى أن انتشار بعض أشكال الفساد الإداري في البلاد جعلها في مراتب متراجعة، حيث جاءت السعودية في المرتبة 78 من أصل من 160 دولة في تقرير منظمة الشفافية العالمية قبل أقل من شهرين).
ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم نسمع عن تلك الهيئة أي أخبار، نرجو أن يكون المانع خيراً!
إلى اللقاء.