إذا كانت مصر تصر على مركزيتها الثقافية، وعلى كونها هي البؤرة التي تصنع توجهات وخرائط وملامح الثقافة في العالم العربي، فلا بأس عندها أن يحج المحمل الثقافي المحلي إلى مصر مستثمراً أحد مواسم مصر الثقافية الضاجة والمتقدة أثناء معرض الكتاب، فالمشاركة وإعلان الحضور في المحافل الثقافية قد لا تخدم البعد المحلي فقط لكنها تسهم وبشكل تراكمي على إحداث زحزحة لبؤرة المركزية الثقافية، والالتفات بصورة جدية إلى التجارب الفكرية والإبداعية في عموم العالم العربي.
أثناء مشاركتي الأسبوع الماضي بالفعاليات الثقافية السعودية في القاهرة، استطعت أن استجلي عدداً من الأمور أبرزها إن كان للعرب طموحات بمشروع وحدوي وآمال قومية، فلتكن الثقافة على رأس هذه المشتركات الموحدة، فالمشترك الثقافي في النسيج الفكري العربي كبير وكثير وقادر على أن يرمم الكثير من الفجوات التي تصنعها السياسة.
الأمر الآخر أنه على الرغم من المأزق الاقتصادي الذي يحاصر الفرد المصري، إلا أنه أبدى وعلى العديد من المستويات حرصاً بل شغفاً كبيراً بالمعرفة بجميع أوعيتها ابتدأ من الكتاب انتهاء بالمحاضرة، كان الحضور كثيفاً حيوياً مشاركاً ومتطلعاً للمزيد، مشبعاً بالفضول لتجارب متوارية خلف الصور النمطية التي يصنعها البعض عن التجربة الحضارية لإنسان النفط الخليجي.
في النهاية أجد أنه من الأمانة الإشارة إلى الجندي المجهول الذي تصدى بكل الدأب والحماس لصناعة هذه الأيام السعودية في القاهرة فالأديب عبدالله الناصر حينما كان مسؤولا عن الملحقية الثقافية في بريطانيا، أسس خيمة خضراء تصدح بالحضور السعودي على العديد من المستويات لعل من أبرز ملامحها مجلة الثقافية، تلك الواحة الخضراء التي خلفها الناصر في لندن ما برحت تحمل له الكثير من الامتنان بل أطلقت اسمه على قاعاتها.
نشاط الناصر وإبداعه سيتسرب الآن إلى جميع ملحقيتنا الثقافية حول في العالم بعد أن أصبح مسؤولاً عنها في وزارة التعليم العالي، ولعل غرسه الراية السعودية في العاصمة المصرية الملتفة على مركزيتها، هو أحد الدروب الخضراء التي نمهدها من وإلى...العالم حولنا.