موضوع اليوم لكتاب ظريف، خفيف الظل لمعالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - متعه الله الصحة والعافية -، الذي طالما أمتع القراء، وبهدوء، بسلسلة كتبه ذات الهدف الموحّد ، مادةً وفكراً. ولقد كانت توصياته التي يمحضها لبعض مَن يمتهنون المتاعب في رسالة القلم وأمانته:
بأن لا يغمد الواحد منهم قلمه ما دام يجود بالعطاء.. ولا يوقف الثمار المفيدة للقارئ والرصيد في سجل الأيام.
هذا الكتاب الذي خرج في طبعته الأولى عن دار القمرين للنشر والإعلام عام 1429هـ - 2008م، بشكل أنيق وإخراج جيد وبحجم صغير يقع في 148 صفحة، مع فهارسه التي بلغت 14 صفحة.
وقد قدم الناشر لهذا الكتاب ب4 صفحات و3 سطور، واعتبر مكانة مثل هذا الكتاب من أهم الطروحات الواعية التي نتوق إلى أن تغير من قناعات بعض الرجال حول المرأة ودورها ورسالتها، ولعله من أصدق ما كتبه الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وحسبه أن كتب أحد فصوله (أمي وأبي)، وقد تغشى عينه الدمع.
وقد اهتم الناشر بأن يبرز في صفحة الغلاف الداخلية واجهة كتابين عن دار القمرين الناشر لهذا الكتاب: الأول: باسم الإصدار الأول لدار النشر: القمرين، والثاني عن الإصدار القادم لهذه الدار.
تلا ذلك تمهيد من المؤلف يحث فيه النساء على إبراز ثمار تعليمهن الجامعي بتسجيل فكر زمننا، وإشاعته بالكتابة، كل في مجاله، ويختم ذلك مؤملاً المزيد بقوله: فلعل الحاصلات على الشهادة الجامعية يأخذن عهداً على أنفسهن أن يفقن الرجال في هذا؛ فنرى تسجيلات للتاريخ والاقتصاد والاجتماع وغير هذا من نواحي حياتنا، وقد جرت وديانه وسالت شعابه (ص 14).
وقد جاء هذا الكتاب في موضوعات خمسة: المقدمة والتمهيد وأمي وأبي وتحية للنساء ورسالة المرأة، وقد أفرد لأمه وأبيه 22 صفحة، أشاد بدورهما في التنشئة والتربية، وحسن التوجيه، وقد رعت أمه التي لم تعرف القراءة والكتابة الدور الذي أنيط بها حول الأولاد، في غياب الأب المتكرر بين عمله في الرياض ومكة؛ فكانت نعم الأم المثالية، وأكملت رسالة الأب في أمانته والاهتمام بهم (15 - 36).
وفي تحيته للنساء أسهب وأطال في حديثه عن نماذج من أدوار النساء، وما قامت به المرأة من مركز اجتماعي ومكانة في شتى مرافق الحياة بنماذج في قصص مرت بالمرأة كلها ذات مغزى تفتق عنها ذكاء المرأة وفطنتها، وقوة حجتها، سبق أن نشر بعضها، مشيراً إلى مصادرها في أمهات الكتب.
فهذه واحدة من قصص النساء التي أورد، قال عنها: إنها قصة جذابة في سبكها، وتغري بالالتفات إليها، فالدر كامن بين طياتها المضحكة المبكية، لا تحتاج لاصطيادها إلى غواص ماهر، ولا سباح نادر، والقصة كما يلي:
كان بالكوفة امرأة لها زوج قد عَسِر عليه المعاش، فقالت له: لو خرجت فضربت في البلاد وطلبت من فضل الله تعالى، رجوتُ أن ترزق شيئاً؛ فخرج إلى الشام فكسب (300) درهم، فاشترى بها ناقة فارهة وركبها قاصداً الكوفة، وكانت شرسة، فأضجرته واغتاظ منها، ومن زوجته وإخراجه، فحلف بطلاق امرأته أنه يبيعها يوم يدخل الكوفة بدرهم، فندم أشد ندامة، واغتمّ أعظم غمّ، وقدم الكوفة فقالت له زوجته أي شيء جئت به معك؟ ورأته مغتماً، قال: لا شيء، فقالت: وهذه الناقة لمَن؟ قال: لا أدري لمن تحصل له، وحدّثها بحديثه، وما جنى عليه حَرَدُه، وجرّ لسانه، فقالت له: أحتال لك حتى لا تحنث ولا تخيب، وعمدت إلى قطة، فأخذتها وعلقتها في عنق الناقة، وقالت: أدخلها السوق ونادِ عليها: مَن يشتري هذا القط بـ(300) درهم، والناقة بدرهم واحد، ولا أفرق بينهما؟
فجاء أعرابي يدور حول الناقة، ويقول: ما أسمنكِ ما أفرهكِ، ما أرخصكِ لولا هذا المشارك في عنقكِ. ولا بد أن الناقة بيعت، وأُطلق سراح القطة، وصار الفضل بعد الله لهذه المرأة الذكية (ص 41 - 44).
وفي موضوعه الرابع في هذا الكتاب (رسالة المرأة) قال: يرى كثير من الناس خطأ: أن التنمية تنحصر أو تكاد في الذين يعملون في المكاتب، ولا يعطون أهمية تذكر للمزارع في حقله، والتاجر في متجره، والمرأة في بيتها، في حين أن كل فرد في المجتمع ساهم ولو بجزء ضئيل في التنمية.
والمرأة العاملة في بيتها مساهمة مساهمة فعالة، وكبرى، سواء أكانت أماً، أم زوجة، أم بنتاً، وهم يقولون: إن المرأة نصف المجتمع، فقط عندما يريدون أن يوهموا بأن نصف المجتمع معطل؛ لأن افتراضهم في الأساس خطأ، ولأن لهم هدفاً مخفياً، يريدون أن يصلوا إليه، وخطة مبيتة، توهم بأن المرأة عندنا مضطهدة ومحتقرة.
ويحاولون - كما فعلوا في مجتمعات أخرى - أن يجعلوها تتذمر وتتمرد، ولا يريدون لها التطور الطبيعي الذي يأخذ شكله تدريجياً مع تقدم المجتمع.
رعاية المرأة لأبنائها، رعاية متناهية، اختيار لعبهم، وترتيب فسحهم، انتقاء أصدقائهم، صلتهم بأقربائهم، الجلوس معهم، لتفسير ما يغمض عليهم، وسرعة إزالة التفسير الخاطئ من أذهانهم، عما يرونه في الحياة.. كل هذه أعباء تحتاج إلى تفرغ وجهد، وقلّ من النساء مَن تستطيع أن تتقنها، بله أن تتركها للخدم والمربيات.
وتذهب إلى عمل ليست في حاجة ماسة إليه، وإنما هي (الموضة) تذهب إحداهن إلى عمل ليست في حاجة ماسة إليه، وإنما هو تقليد ومجاراة لبعض التافهات، ولأنها لم تأت إليه لحاجة، أو لرغبة أكيدة تجدها تطلب أقل الأعمال جهداً (ص 127 - 129).
فالكتاب في مادته وفكره جيد يستحق القراءة، وفي معالجته موضوعات تهم المجتمع والمرأة على السواء، فيستحق الاقتناء والإفادة منه في حسن التوجيه والرعاية، وتوضيح العمل اللازم للمرأة بعوائده الكثيرة على المجتمع.
وقد خُتم الكتاب في الصفحة الداخلية من الغلاف الخارجي بكلمة لأحد مفكري الغرب، ورأيه حول عمل المرأة، ولست أدري هل هي من اختيار المؤلف أو الناشر؟ هذه الكلمة هي: يقول: جوستاف لوبون: ينظر الشرقيون إلى الأوروبيين الذين يكرهون المرأة على العمل كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جرّ عربة؛ فعمل المرأة عند الشرقيين هو تربية الأسرة وأنا أشاركهم رأيهم مشاركة تامة؛ فالإسلام لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع.
موقف امرأة
رأيت من المناسب أن أختار جوهرة من هذا الكتاب، في المكان المحدد، مع مقالاتي المعتادة، قصةً وموقفاً، فيه فائدة ومتعة؛ فقال المؤلف ضمن تحية للنساء، وذلك المقطع الممتع به فائدة أيضاً لأنه من ضمن اختياراته:
وهناك موقف لامرأة أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قالت قولاً معجباً، ولأنه حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبقى الجزم بصحته مطلوباً من علماء الحديث. ومع هذا وبصرف النظر عن صحته، فإن ما جاء به، من قول سديد، ورأي منير، وإحاطة بالأمر، يستحق أن يذكر، ولم يذكر على لسان امرأة إلا لأنه لائق بها، أن تفكر هذا التفكير، وأن تقول ذلك القول أو لعلّ من حبّر هذا توقع مثل هذا، والقصة وردت في كتاب المختار من نوادر الأخبار ص 88 ومن باب التوثيق نوضح لمعاليه أن هذه الحكاية وردت أيضاً بترجمتها في كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير الجزري المتوفى عام 630هـ الجزء الخامس: كتاب النساء - ص 19، قال الدكتور عبدالعزيز في حكايتها: وفدت أسماء بنت يزيد الأشهليّة الأنصارية محدّثة فاضلة شهدت اليرموك، وروت أكثر من 80 حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنه ليس في شرق البلاد وغربها امرأة إلا وهي مثل رأيي، أن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي بعثك. وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قوّامات بيوتكم، وحاملات أولادكم، وحافظات أموالكم، وخوالفكم في أسفاركم، وممرضات في الحضر، وإنكم يا معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج والعمرة، وأفضل من ذلك كله الجهاد في سبيل الله. وإنكم إذا خرجتم حجاجاً ومجاهدين وتجاراً ومسافرين، حفظنا لكم أموالكم، وربينا لكم أولادكم، ثم غزلنا لكم الأثواب، وجمعنا لكم الطعام، أفنشارككم في الأجر، يا رسول الله؟ فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه وقال لهم: هل سمعتم مقالة امرأة قط، أحسن من مقالتها، في حسن مسألتها، عن أمر دينها؟ ثم أقبل عليها فقال: ارجعي أيتها المرأة، فأخبري من وراءك من النساء: أن حُسن تبعُّل إحداكن لزوجها، واجتنابها سخطه، واتباعها مرضاته، يعدل ذلك كله؛ فولت المرأة تكبر وتهلل استبشاراً. (ص 50 - 52).