جاء في الحديث الاستعاذة من غلبة الرجال وكذا قهرهم، ويخيّل إلى المغلوب أو المقهور أنه ليس بمنجاة مما يكيد له هؤلاء أو أولئك المستعاذ منهم، فتراه لا يفتر يحدِّث نفسه بضعف بلا انقطاع.
على أن التحوّط مطلوب، وفعل الأسباب واجب، أما الركون إلى التسليم فهو حيلة العاجز بلا أدنى ريب، وما رأيت أضعف ممن جعل في عنقه حبلاً آمراً الناس أن يقتادوه صوب الجهات المعنية، فهذا صاحب دين، وذاك صاحب حق من حقوق الدنيا.
ليس أضر على المرء من أن يعمد إلى زجّ نفسه في متاهات الظلاميات، ويحسب أنه يزاوج بين الجرأة من حيث نجح الآخرون، فكأنه متمثّل بقول القائل: وفاز باللّذات الجسورُ.
إن من الحكمة أن ينبري العاقل إلى تجنب مغبة غلبة الرجال وقهرهم، فيكون حصيفاًً متيقظاً لما يقدم عليه، فيطرق في العواقب، ويتخذ من التفكير الممل ديدناً له، وأن يجعل أسوأ الاحتمالات نصب عينيه، فما يدري أحد من أين تأتيه مصيبته، وقد قيل: من مأمنه يُؤتى الحذِر.
والحق أن من أظلم الظلم أن يكون المرء هدفاً لتلك الغلبة وذاك القهر، حيث إن دنياه حُبلى بالمفاجآت، فإن المصائب قد تتكالب عليه كما يتكالب الفراش على مصدر النور، فكم من مطمئن الحال قد استحال إلى مرمى لهاتيك المصائب من حيث لا يدري.
غلبة الرجال وقهرهم قد يكون في الحرام كما يكون في الحلال، وقد قال الشاعر العربي: ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. وما أدري ما يود هذا الشاعر أن يضيفه لسنة حياتنا حين قال الله مخاطباً آدم حين نزوله إلى الأرض: {.. فَتَشْقَى}.
إن من يتأمل في ظاهرة التنازع والتدافع الاجتماعية لا محالة موقن أن غلبة الرجال وقهرهم له نصيب منه، وله سهم ضارب فيه، فليس بمندوحة عن صخرة المشقّر التي عناها أبو ذؤيب الهذلي.