جدة - خاص بـ(الجزيرة)
عندما يكون الحديث لغة الأرقام والإحصاءات عن البرامج والأنشطة التي تم تنفيذها لخدمة حفظة كتاب الله، والتوسع في حلق التحفيظ على كافة المستويات والفئات العمرية يكون الأمر أقرب إلى المنطق، ويحكمه العقل، وتعضده البيانات التي تكشف حجم العمل، والقوة والهمة، والتخطيط والتنفيذ.
وفي هذا الحوار مع رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة المهندس عبدالعزيز بن عبدالله حنفي... يبدؤه بما حققته الجمعية بالأرقام والإحصاءات، ثم يتعرض لدور المسابقات المحلية والدولية التي تنظم في المملكة لحفظة كتاب الله، ويثمن الجهود التي يبذلها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في هذا المضمار، وعلى وجه الخصوص رعايته ودعمه للمسابقة المحلية على جائزة سموه لحفظ كتاب الله، التي تدخل عامها الحادي عشر وهي أكثر قوة.. ثم يتناول م. حنفي الصعوبات التي تواجه جمعيات التحفيظ.. فإلى نص الحوار:
* بداية نود من فضيلتكم أن تحدثونا بلغة الأرقام عن عدد الدارسين والدارسات في الجمعية؟
- الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في محافظة جدة- ولله الحمد والمنة- دائماً تسعى للتطوير مما جذب أعدادا كبيرة إليها حتى أصبح عدد منسوبيها (50.000) طالب وطالبة، وأما الجديد لدى الجمعية لتنفيذ رسالتها القرآنية فإن الجمعية لا تتوقف عن البحث عن كل ما يخدم ويسهل العملية التعليمية والعمل على تطوير الأداء ومن أحدث ما أقرته الجمعية وطبقته على أرض الواقع (جائزة الأداء المتميز) لتكريم كل من المعلم والمشرف ومركز الإشراف وذلك بتثمين جهودهم عبر معايير جودة الأداء خلال عام تكريم بهدف تشجيع وتقدير العمل المميز، وبث روح التنافس بين المعلمين والمشرفين ومراكز الإشراف.
* تدخل المسابقة المحلية على جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم هذا العام عامها الحادي عشر وهي تزداد بفضل الله قوة وتطوراً مطرداً سواءً على صعيد أعداد المشاركين فيها أو مستوياتهم من البنين والبنات كيف وجدتم المسابقة خلال دوراتها العشر الماضية من كافة جوانبها وما رؤاكم ومقترحاتكم لتطويرها؟
- المسابقة اكتسبت أهمية كبيرة خاصة مع المتابعة الشخصية من صاحب الجائزة سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أمير منطقة الرياض ومعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس المجلس الأعلى للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وبالإضافة إلى كونها مجالاً لرفع مستويات الأداء في إجادة وإتقان تلاوة وتجويد وحفظ القرآن الكريم أعتقد أنها مجال تربوي كبير لأبنائنا وبناتنا وتعالج مشاكل فراغهم ذلك لأنها تحتاج لإعداد كبير ومراجعة واستعداد خاص، وأنها تتكون من عدة مراحل كلها تخضع لمعايير دقيقة ومنافسات كثيرة لأن النخبة من طلاب وطالبات القرآن الكريم في المملكة هم المهيأون للالتحاق بها مما يعني استغراق الطلاب أوقاتا وتركيزا ومتابعة حتى يتمكنوا من تجاوز زملائهم.
* يرى الكثير من المتابعين لرسالة الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم الدور الكبير الذي تقوم به في تخريج جيل من الناشئة والشباب (بنين وبنات) حافظين وحافظات لكتاب الله ملتزمين بهديه وأحكامه وآدابه في سلوكياتهم وتعاملاتهم ما أبرز الوسائل التي انتهجتها الجمعية في تحقيق هذه الرسالة المباركة؟
- من أهم الوسائل التي تركز عليها الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم مع طلاب حلق التحفيظ هي تطبيق مبدأ القدوة الحسنة وأن قدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحفز الطلاب على التحلي بأخلاق وآداب القرآن الكريم فحفظ القرآن الكريم وتلاوته تقتضي تدبر أحكامه وأوامره ونواهيه كذلك فإن المعلم القدوة يمثل أحد أبرز الوسائل للتأثير على الطلاب وضمان التزامهم بسمت الطلاب الصالحين فإن المعلم الحصيف الذكي النبيه يغتنم هذه المهام المباركة التي كلف بها لتعليم الناشئة بأن يكون قريباً من نفوسهم متابعاً لمستوياتهم وسلوكياتهم داخل الحلقة بحيث يصحح ويوجه بأسلوب تربوي إيماني حتى يرسخ في الطلاب حب الآداب والأخلاق والفضائل وذلك هو منهج المعلم الأول في الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) لذلك فإن الجمعيات لا تألو جهداً في تبني وتطبيق أي برامج وأنشطة ودورات مكملة لحلق التحفيظ بحيث يكون المعلم مقتدراً ومؤهلاً لأداء هذه الأمانة ويكون الطلاب في حالة ذهنية جيدة مقبلين على الحفظ والمدارسة.
* أسهمت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم إسهاماً كبيراً من خلال رسالتها القرآنية في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في نفوس وإفهام طلابها وطالباتها على مدار السنوات الماضية مما كان له أكبر الأثر في التأكيد على هذا المنهج وفي كشف أصحاب الأفكار الغالية والمتطرفة وتعريتهم وبالتالي حماية النشء والشباب من البنين والبنات من الغلو والتطرف وصيانتهم من الانحرافات الفكرية والسلوكية والعقدية؟
- هذه من أهم الأهداف التي حققتها الجمعيات بحمد الله تعالى ولو رجعنا إلى الوراء كثيراً أقصد تاريخ بداية نشوء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة قبل أكثر من ثلاثين عاماً حينها لم يكن هناك موجات غلو وتطرف وأفكار هوجاء بهذا السوء ومع ذلك كانت الجمعيات تسير على نهج واحد وهو تحصين النفوس من شر الغلو والتطرف حتى قبل ظهوره والسبب في ذلك أن القرآن الكريم هو مصدر القيم والأخلاق وترسيخ حرمة دم المسلم وماله وعرضه، ثم بعد ذلك بسنين طويلة ظهرت وسائل الإعلام والفضائيات والانترنت وهي في نظر أهم وسائل انتشار الأفكار المتطرفة وسرعة انتقالها من بلد لآخر فكان لزاماً على جمعيات القرآن الكريم أن ترسخ دورها التربوي المكمل لرسالة التعليم مما يؤهلها للتصدي للفكر الضال المنحرف على أكمل وجه وبذلك ارتبط أبناؤها في حلق التحفيظ بكتاب الله الكريم حفظاً وتلاوة وتجويداً وفهماً وعينت الجمعيات معلمين أكفاء ذوي توجهات صحيحة وسطية ويخضعون لمقابلات واختبارات مسبقة قبل التعيين إضافة إلى الإشراف والمتابعة المستمرة حيث يتم إيفاد مشرفين لزيارة الحلقات بشكل دوري ومنتظم للتأكد من إنتاجيتها والاستماع إلى الطلاب ومعرفة وضع الحلقات واحتياجاتها والوقوف على الأساليب التي يستخدمها المعلم في تعليم طلاب الحلقات وتوعيتهم وتنشئتهم على الفكر الصحيح الرشيد فطلاب الحلق هم كثر فئات المجتمع حصانة تجاه أي فكر دخيل أو ضال فقد غرست في نفوسهم أخلاق الإسلام السمحة وتعظيم حرمات الله عزوجل ومنها حرمة الاعتداء على الأنفس والممتلكات والخروج على الطاعة وهذه ليست قيم جديدة تم ابتكارها توافقاً مع المرحلة بل هي أسس مستمدة من القرآن الكريم يمكن لمن شاء الرجوع إليها في كتاب الله عزوجل وقد ركزت عليها الجمعيات مثل غيرها من مؤسسات التربية والتعليم في بلادنا المباركة إلا أن الجمعيات تعطي جرعات أكبر للشباب بحكم تركيزها على تحفيظ القرآن الكريم ولابد من القيام بدور تجاه الشباب فليس صحيحاً تركهم دون إشراف أو توجيه فمن هنا يحدث الخلل وتظهر السلبيات لوجود بيئة مناسبة يستفيد منها مروجو الفكر الضال والمنحرف فيسهل عليهم احتواء الشباب لعدم وجود الحصانة والرؤية الصحيحة التي تمكنهم من إدراك الغث من السمين والنافع من الضار والوسطي من المنحرف.
* لوحظ أن الجمعيات الخيرية ومؤسسات تعليم القرآن الكريم في هذه البلاد المباركة تتفاوت من حيث الاستفادة من التقنية الحديثة المتمثلة في التطور التقني المطرد في وسائل الإعلام والاتصال في القيام برسالتها تجاه كتاب الله بل إن العديد من هذه الجمعيات سعت إلى إيصال هذه الرسالة القرآنية إلى مختلف الأرجاء ونجحت في ذلك بفضل الله في ضوء ذلك كيف يمكن أن نطور عمل هذه الجمعيات للوصول بالرسالة القرآنية إلى أعلى درجاتها على مختلف الصعد؟.
- الاستفادة من التقنية الحديثة يعود لإدارة الجمعية ومدى قدرتها على تسخير الوسائل الحديثة لخدمة تعليم القرآن الكريم لأن وسائل الاتصال والتقنية الحديثة متاحة للجميع دون عوائق واليوم تستطيع أي جهة أن توصل رسالتها ورؤيتها للعالم أجمع دون حواجز بغض النظر عن المضمون الذي تحمله تلك الرسائل والأهداف التي تسعى إليها، لذلك فمن الواجب على إدارات الجمعيات أن تكون مبادرة لاغتنام تلك التقنيات لأداء رسالتها القرآنية لمختلف أرجاء العالم وهناك عاملان إضافيان لتحديد مدى إمكانية استفادة الجمعيات من وسائل الاتصال والتقنية الحديثة هما القدرة المالية والكوادر البشرية المؤهلة أو ما يسمى الدعم الفني، وكلما زادت القدرة المالية المخصصة لهذا الجانب التقني واتسعت إدارات تقنية المعلومات في الجمعيات فذلك يعني زيادة واتساع الخدمات الالكترونية التي تقدمها الجمعيات سواء للبرامج التقنية المستخدمة للعمل داخل الجمعيات أو الموجهة للخارج عبر الشبكة العنكبوتية.
* تعاني العديد من جمعيات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم من نقص أو قلة الموارد المالية مما أعاق كثيراً من برامجها تجاه كتاب الله كيف يمكن أن نعالج ذلك وتمكين تلك الجمعيات من تنفيذ رسالتها القرآنية على أكمل وجه؟.
- مع الأسف العديد من الجمعيات الخيرية لم تهتم بالوقف الإسلامي لتوفير الدعم المالي الذي هو الترياق لاحتياج الجمعيات لأداء رسالتها على أكمل وجه لأن الاستعداد التربوي موجود والخبرات كثيرة والكوادر المؤهلة على تم الاستعداد وشح الموارد المالية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية أثرت حتى على إيرادات الجمعيات باعتبارها تتلقى الحصة الأكبر من التبرعات من رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الداعمة في بلادنا المباركة باعتبارها جزءا من هذا العالم وبتأثر تلك العجلة الاقتصادية ينعكس ذلك على التبرعات، كما أن هناك عوامل أخرى كثيرة ساهمت في تراجع حجم التبرعات منها عدم تعاون بعض البنوك المحلية واشتراطها إجراءات كثيرة للمتبرعين الراغبين في الاستقطاع من حساباتهم لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم كذلك عدم وجود إعلام يدعم الجمعيات ويبرز دورها الايجابي في المجتمع وضعف التعريف ببرامج الجمعية بسبب ارتفاع تكاليف الوسائل الإعلامية خاصة وأن معظم الجمعيات تعاني من عدم قدرتها الصرف على احتياجاتها الرئيسية مثل الرواتب واحتياجات حلق التحفيظ ناهيك عن نفقات الحملات الإعلامية.
* على الرغم من الفوائد الكثيرة التي يمكن أن تحققها التقنيات الحديثة في خدمة القرآن الكريم إلا أن كثيراً من جمعيات ومدارس التحفيظ لم تعرف حتى الآن كيف تستفيد منها وكيف توظفها ليس فقط لتدريس القرآن الكريم وعلومه بل وأيضاً لجذب الناشئة والشباب الذين تستهويهم بشدة هذه التقنيات وتطبيقاتها ما الآليات اللازمة التي ترونها لتوطين وسائل تقنيات العصر في خدمة القرآن الكريم وإيجاد الكفاءات البشرية المؤهلة لتدريب الطلاب على الاستفادة منها وزيادة مناشط تحفيظ القرآن الكريم على أوسع نطاق ليتحقق بذلك خيرية تعلم كتاب الله وتعليمه إلى جانب تنمية قدرات ومهارات الشباب في التعامل مع هذه التقنيات وتوظيفها فيما ينفع بدلاً من السقوط فريسة لتطبيقاتها الضارة؟.
- لابد للجمعيات أن تعيش هذا العصر الذي يتميز بالسرعة والتقنيات الحديثة في جميع مجالات الحياة وإعداد أنشطة وبرامج تساعد الناشئة على تعلم القرآن الكريم وحفظه بحيث تكون الجهات الخيرية ذات أهمية للناشئة وليس عبئا عليهم وفتح منافذ كبيرة ومساحة واسعة لأداء دورها التربوي عبر البوابات الالكترونية من خلال الأنشطة والبرامج الجاذبة للشباب وجمعيات القرآن الكريم التي بادرت بدخول ذلك المجال التقني الالكتروني شهدت إقبالاً كبيراً رغم محدودية إمكانياتها وذلك من فضل الله عزوجل لأن الله خلق عباده على الفطرة فتجد الاقبال من كل أرجاء العالم على مواقع الجمعيات رجالاً ونساءً وهذا يبشر بالخير فإن هؤلاء اختاروا مواقع جمعيات القرآن الكريم دون أي وسيلة ضغط لأن وسائل الاتصال المعاصرة ألغت ذلك تماماً فأصبح الاقتناع والشغف بالقرآن الكريم وتعلمه وتدارسه هو العنصر الجاذب للالتحاق بالمقارئ الالكترونية خاصة وأن العالم كله يعاني من نقص روحي وضعف إيماني ولا علاج لذلك إلا بالقرآن الكريم والحمد لله.
* ما الصعوبات التي تواجهها الجمعيات في تنفيذ خططها ومشاريعها التطويرية لرفع كفاءة العاملين فيها من موظفين ومعلمين وكذا الملتحقين بها من طلاب وطالبات؟.
- الصعوبات كثيرة أهمها عدم توفر الكوادر المتخصصة من المعلمين والمعلمات لتعليم القرآن الكريم وعدم وجود المتطوعين المؤهلين للعمل بالجمعيات مع تدني نسبة التبرعات المالية في الوقت الذي زادت فيه المصروفات وتوسعت الحلقات والمدارس بشكل متواصل تلبية لاحتياجات الراغبين والراغبات في الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن الكريم ولاشك أن عدم الاستقرار المالي عامل مؤثر في عدم القدرة على تنفيذ برامج تدريب العاملين ورفع مستوياتهم ومهاراتهم وتنفيذ الخطط التعليمية ويحد من استخدام الإمكانات المساعدة في عملية التحفيظ ولكن الجمعية تسعى جاهدة للتغلب على الصعوبات بتدريب المعلمين والمعلمات لزيادة كفاءتهم وتوفير التقنية الحديثة لأدائهم الأمثل.