يُعَدُّ موضوع القوامة من مبادئ الإسلام التي حاولت طائفة من المغرضين أن يموهوا فيها على الناس وأن يشوهوا حقائقها، ورأوا أن في القوامة استعباداً للمرأة ونقصاً لكرامتها وسلباً لحقوقها.
ويدرك من له أدنى علم وبأسرع نظرة أن الله خلق من كل شيء زوجين (وَمِن كُلِّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (49) سورة الذاريات، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) (45) سورة النجم، وجعل للذكر خصائصه وللأنثى مزاياها. وحين تضل العقول تخلط بين تلك والأخرى، فتسند للرجل ما للمرأة، وما للمرأة إلى الرجل، فيظهر الخلل في البناء، وتنهار المبادئ وتفسد الأخلاق.
ولا شك أن هذا مما فطر الخلق عليه، حيث نرى السيادة للذكر حتى في الحيوانات وقيادة القطيع، وحين جعل الله تعالى القوامة للرجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، لم يجعلها سيفاً بيد الرجل ولا سلطة مطلقة، بل حذره من استغلالها أو تجاوز حد ما فيه المصلحة، وذكره في الآية نفسها بأن هناك من هو أعلى منه وأكبر، وأنه سيحاسبه على تجاوزه (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً).
وفي تسمية هذه المهمة المناطة بالرجل (قوامة) دون تسميتها بالسيادة أو القوة أو السلطة أو الأمر أو نحو ذلك إشارة إلى أن القيام بها يعني تحمل مسؤولية القيام بحقوق النساء، وأداء الأمانة الملقاة على العاتق من المحافظة عليها ورعايتها ودفع الأذى عنها وتوفير حاجاتها الأساسية. ولا شك أن هذا يعد تميزاً للمرأة المسلمة لا يتحقق لغيرها في خضم معمعة الحضارة الغربية التي تنادي بالمساواة بين المرأة والرجل، وما درى هؤلاء أن المرأة هي الخاسر في المساواة.
فأين المرأة التي تقر في بيتها آمنة مطمئنة، مرعية مصونة، وفر لها زوجها المسكن والمأكل والمشرب وحسن الرعاية، وتفرغت لما جبلت عليه عاطفة تبثها في أطفالها وتنشرها في بيتها، وتقوم بحقوق زوجها، والمرأة الأخرى التي قلبت الفطرة وخالفتها فخرجت تزاحم الرجال في المعامل والمصانع والمكاتب، ذاك يغمزها وهذا يهمزها وذاك يتربص بها طمعاً في مالها أو جسدها، فإذا عادت إلى البيت عادت منهكة لم يعد في جعبتها من عاطفة تذكر لأولادها، فضلاً عن القيام بأعباء المنزل، فاستعانت بالرجل واختلت الأمور وتمزقت الأسرة.
إن التقليد الأعمى للحضارة الغربية لا يورث إلا القلق والاكتئاب وخنزرة الأخلاق وضعف القيم والمبادئ.
فالقوامة التي كفلها الإسلام للمرأة ترفع الحيف عنها وظلمها، وما أحوج المرأة في هذا العصر إلى القوامة لو أدركت المرأة ذلك، فهي لا تعني إهدار شخصيتها أو النيل من كرامتها أو مقومات إنسانيتها أو الحد من حريتها في مالها أو حقوقها. وتاريخ المرأة في الإسلام يحكي كيف كان دور المرأة المسلمة أماً وزوجةً وأختاً، مربية وداعية ومعلمة وطبيبة.
ولعلنا في هذه العجالة نشخص بعض أسباب التخلي عن القوامة أو ضعفها في أمور منها:
1- تأثير وسائل الإعلام، وإظهار صورة زائفة للمرأة الغربية مخالفة كثيراً للواقع الذي صرح به كثير من نسائهم.
2- ضعف الشعور الديني عند بعض الرجال، وتخليه عن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيته، حيث يملأ بيته بالقنوات الهابطة، والمجلات الخليعة، والأزياء الغربية، ويرى ما يرى من أهله فلا ينكر منكراً ولا يأمر بمعروف، وكأنه لا يملك من أمره شيئاً.
3- ضعف الوازع الديني في بعض الأسر.
4- ضعف شخصية الرجل، وانقياده للمرأة الضعيفة التي تقودها عاطفتها إلى ما فيه ضررها وأسرتها.
تلك بعض الأسباب، ولعل علاج الأمر بإذن الله يكون بأسباب منها:
1- التربية الإسلامية للأبناء عامة، وللبنات خاصة بتعليمهن مفهوم القوامة ومعناها وما تكفله لها من حقوق ومزايا.
2- التربية بالقدوة، فالمرأة الوفية لزوجها في غيابه وحضوره المطيعة له، القائمة بحقوقه وحقوق البيت، تقدم مثالاً صالحاً لبناتها، ولذا كان صلاح الأمم من مواصفات الزوجة الصالحة.
3- صيانة البيت وتطهيره من وسائل الإعلام المنحرفة، والقنوات الفضائية الهابطة، فهي معاول هدم لبنيان الأسرة وتدمير للأخلاق.
4- التوعية بحقوق الزوجين وما لهما وما عليهما، وآثار أدائهما على سعادة الزوجين والأبناء.
5- وينبغي أن تدرك المرأة أن تلك القوامة أسندت إلى الرجل لأمرين لا يتوفران فيها: أولهما: ما وهبه للرجال من خصائص جسمية وكمال العقل وحسن التدبير، ولذا خص الرجال بالنبوة والإمامة والولاية ووجوب الجهاد والجمعة والجماعة.
وثانيهما: ما أوجبه الله على الرجل من مهر يدفعه إلى المرأة، ونفقة واجبة عليه لها، ولذا فقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة المرأة وكسوتها.
فانظر إلى مكانة القوامة من الزوجية، فعجز الزوج عن النفقة تقصير في القوامة يعني عدم قدرته عليها والقصور في أداء حقوقها، وهذا يعطي المرأة حق فسخ النكاح، فلا زواج بلا قوامة.
* أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود - كلية المعلمين