Al Jazirah NewsPaper Friday  06/02/2009 G Issue 13280
الجمعة 11 صفر 1430   العدد  13280
متى ننتزع الحقد من صدورنا؟
عادل علي جودة

 

أحمد الله سبحانه وتعالى أنها قليلة جداً تلك الفئة التي لا تهنأ الحياة لأفرادها إلاّ بمعادلة (خالف تعرف) فتجدهم دوماً يعكسون الاتجاه، يُبغضهم المليح ويسرهم القبيح، تقتلهم الغربة وهم بين جدران بيوتهم، وتنهشهم الوحدة وهم مع أقرب الناس إليهم! إن ابتعدت عنهم فأنت متكبر! وإن أبديت اهتماماً بهم فأنت متطفل! إن حدثتهم بقال الله سبحانه وتعالى وقال الرسول صلى الله عليه وسلم نعتوك بالأصولية والتخلف والرجعية، وإن حاججتهم بالأدلة والبراهين والوقائع والأرقام فأنت في نظرهم معقد، إن ابتسمت إشفاقاً عليهم فأنت ساخر! وإن تفاديتهم بالصمت فأنت ضعيف أو ماكر! ولأنهم عاجزون وغير فاعلين فالويل لك ولإنجازك!

هكذا هم؛ صراع متواصل في كل وقت، ومع كل شيء؛ لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب!

والصحافة كسلطة رابعة معنية بإتاحة الفرصة للفرد أن يعبِّر عن رأيه، وهذه ظاهرة صحية، غير أنّ الإشكال فيها هو أنّ أفراد هذه الفئة يُخدعون فيتوهمون أنهم كتّاب ذوو فكر ووعي وثقافة، بينما الواقع يختلف!

وهذه الفئة للأسف موجودة في كل المجتمعات، ويصدق فيها المثل العاميّ القائل (لكل قبيلة هبيلة)!

والمؤكد هنا أنّ هنالك أسباباً عديدة لمثل هذا السلوك العنيد والعدائي، وقد تتشابه هذه الأسباب أو تختلف من فرد إلى آخر، فهي إما لجهل ببواطن الأمور، و - أو لحَولٍ تجاوز العين إلى الفكر، و - أو لعمى في البصيرة! و - أو لعقدة نفسية نتيجة لحادث ما! أو من يدري ربما للبحث عن شهرة وإن كانت سلبية! وكل ذلك أمره قد يكون هيّناً في ظل وجود الكثير من العيادات النفسية! إلاّ أنّ المشكلة قد تكون معقدة ومعقدة جداً إذا ما اتصل السبب بالاستسلام والارتماء والانكفاء في أحضان شياطين الإنس والجن! نسأل الله الهداية!

لا بأس قارئي الكريم، أدرك أنك تتساءل متطلعاً لمعرفة مكنون هذا الهم الذي أود أن أفضفض به إليك؛ نعم، فالأمر يتصل بخربشاتٍ - تسبح ضد التيار - لأحد أفراد هذه الفئة، تحت عنوانٍ أقل ما يقال فيه إنه يخدش الحياء، لن أذكره هنا، ولكنك قارئي ستجده ضمن فقرة وحيدة لا تتجاوز السطرين من مجموعة فقرات كتبها صاحبها بتاريخ 3-1- 2009م في الزاوية المخصصة له في صحيفة عربية وُفِّقَتْ تماماً إذ جعلت ضمن أبوابها باباً تحت عنوان (مقالات اليمين) وآخر تحت عنوان (مقالات اليسار)!

اشتملت مادته (مقالته) على سبع فقرات تزدحم بالأقواس الصغيرة والكبيرة، وبالنقاط، وبعلامات التعجب! ويفصل بين الفقرة والفقرة ثلاثة نجوم! وتتميز نهاياتها بعلامات الاستفهام والتعجب! ولست أدري حقيقة ما الحاجة إلى علامات الاستفهام؛ فعنوان زاويته (علامة تعجب!)!

لقد خصّ (الكاتب) علامة تعجبه في الفقرة الأولى بحذاء البطل العربي منتظر الزيدي، والأمر هنا لا يحتاج إلى كثير شرح!

ثم أتبع ذلك بأربع فقرات يتجه التعجب فيه نحو حركة المقاومة الإسلامية - حماس، التي انتخبها الشعب الفلسطيني في انتخابات شهد العالم بأسره أنها حرة وديمقراطية ونزيهة وشفافة، والتي رفضت الارتماء في أحضان العدو الصهيوني، ففرض عليها حصاراً مقيتاً لا يتحمله إلاّ الأشداء، ثم بعد الحصار افتعل العدو مسببات هجومه الهمجي الذي لم يزل مستمراً حتى لحظتنا هذه وعلى مرأى من العالم ومسمعه، وفي المقابل اشترى الشعب الفلسطيني بقيادة حماس وكافة فصائل المقاومة شرفه وحريته وعزّته وإعلاء شأن قضيته ومواجهة أطماع الصهيونية بهذا الصمود المشرف وهذه التضحيات الغالية من دماء أبنائه.

ثم انتهى بفقرتين ثنتين؛ خص تعجبه في أولاهما بالرئيس الإيراني، بينما ذهبت الثانية للرئيس الليبي!

أما الفقرة التي نحن بصددها هنا فقد جاءت هكذا:

(.. (نزار ريان) - القيادي في حركة (حماس) الذي اغتالته إسرائيل يوم أمس الأول، متزوج من أربع نساء ولديه 12 ولداً وبنتاً!! كيف لرجل كهذا غاطس حتى أذنيه وسط ثمانية أفخاذ ل(نسوانه) أن يجد وقتاً لشعبه وقضيته؟!).

ولعلِّي هنا أبدأ بالصلاة والسلام على حبيبنا وقدوتنا رسولنا الكريم محمد بن عبد الله؛ صلوات ربي وسلامه عليه؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يعطله في كل هذا شيء؛ لا زوجاته اللواتي كن عوناً له، ولا غير ذلك، ولنا في رسولنا أسوة حسنة، أكتفي هنا بهذا فقط، ولعل المراد واضح لمن له بصيرة!

أما الجملة الأولى من الفقرة، فأعيد كتابتها على النحو اللائق؛ فلكل مقام مقال: شهيد فلسطين والعالمين العربي والإسلامي الشيخ المجاهد والعالم الجليل الأستاذ الدكتور نزار ريان؛ القيادي في حركة المقاومة الإسلامية - حماس، الذي اغتالته يد الغدر الصهيونية الجبانة يوم الخميس 5-1-1430هـ الموافق 1-1-2009م، في غارة جوية استهدفت منزله في مخيم جباليا بقطاع غزة، متزوج من أربع زوجات صالحات قانتات، ولديه ستة أولاد وست بنات!

أما الجملة الثانية التي حملت استغرابه واستهجانه وتعجبه فقال فيها: (كيف لرجل كهذا غاطس (...) أن يجد وقتاً لشعبه وقضيته؟!) ويبدو أنّ مفهوم الزواج لديه ينطلق من ثقافة خاصة به؛ خلاصتها أنّ الرجل يمضي جل وقته (كما قال)! وهنا يكمن العجب! لا يا سيدي، الأمر ليس كذلك البتة! فشهيدنا تقي ورع، وصاحب رسالة واضحة ومحددة وهادفة، حاله في ذلك حال معظم الفلسطينيين، ولعلك تسمع بمقولة (الأم الفلسطينية ولادة)، فجميع مَن أسميتهن (نسوانه) هن زوجاته على سنّة الله ورسوله! وهذا لا يتعارض مطلقاً مع ديننا الحنيف، وكان أقرب ما يكون إلى العدل، ويكفي لتأكيد ذلك أن زوجاته الأربع استشهدن معه؛ أي كن يعشن معه في البيت الذي استهدفته الغارة الصهيونية.

وأما عن وقت الشهيد فقد كان مباركاً بفضل الله تعالى، وليتك لا تتعجب وأنا أسرد لك بعضاً عن هذا الرجل العظيم وإنجازاته:

أولاً: هو العالم المجاهد الأستاذ الدكتور نزار بن عبد القادر بن محمد بن عبد اللطيف بن حسن بن إبراهيم بن ريان، من بلدة (نعليا) إحدى قرى (عسقلان) الواقعة ضمن أراضي فلسطين التي اغتصبها الصهاينة عام 1948؛ أي منذ ما يزيد عن ستين عاماً، فهاجر أبواه كما هاجر مئات الآلاف من الفلسطينيين، واستقر بهم المقام في مخيم جباليا الذي شهد ولادة الشهيد المجاهد عام 1959م!

ثانياً: لست بحاجة لأن أشير إلى حجم المعاناة والحرمان التي عاشها أبناء فلسطين في كافة مراحل حياتهم، فذائق العلقم يدرك مرارته!

ثالثاً: بذل الفقيد وقته وسخّر طاقاته وجهده في مراحل التعليم المختلفة فكان من المتفوقين، ثم واصل تحصيله العلمي حتى حصل على البكالوريوس في أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1982م؛ حيث تتلمذ على أبرز مشايخها ومن بينهم الشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ العلامة ابن جبرين، ثم نال درجة الماجستير بتقدير ممتاز في الحديث الشريف من كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بعمان عام 1999م، وفي عام 1994م نال درجة الدكتوراه أيضاً بتقدير ممتاز عن جامعة القرآن الكريم بالسودان وكانت رسالته عن (مستقبل الإسلام - دراسة تحليلية موضوعية).

رابعاً: لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل تحصيله العلمي من خلال إعداد البحوث والدراسات، فتمت ترقيته إلى أستاذ مشارك عام 2001م، ثم إلى الأستاذية في عام 2004م.

خامساً: بدأ حياته العملية بقسم الحديث الشريف في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة الصامدة المرابطة معيداً في المدة من 27-2-1984م إلى 31-8-1990م، ثم مدرساً في المدة من 1-9- 1990م إلى 21-8-1994م، فأستاذاً مساعداً في المدة من 22-8- 1994م إلى 12-10-1999م، ثم أستاذاً مشاركاً من 13-10- 1999م إلى 5-7-2004م، فأستاذاً اعتباراً من 6-7-2004م حتى وقت استشهاده. علماً بأنه عُين مساعداً لنائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية في المدة من تاريخ 1-9-2001م حتى 15-8-2003م.

سادساً: عمل إماماً وخطيباً متطوعاً لمسجد الخلفاء الراشدين بمخيم جباليا منذ عام 1985 إلى 1996م؛ فكان له دوره الفاعل في إطار الدعوة الإسلامية وبث روح الجهاد في صدور الشباب.

سابعاً: تجرع بصبر وثبات مرارة المعتقلات الصهيونية لمدة أربع سنوات، ولست أدري إن كنت تدرك ظلمة الاعتقال!

ثامناً: عُرف بين الناس بالداعية والمصلح والشيخ والمجاهد والعلامة والخطيب والإمام والمرابط.

تاسعاً: أثناء مراحله الجهادية مَنّ الله عليه وعلى رفيق له في الجهاد بقتل ستة من الصهاينة المغتصبين.

عاشراً: نال أسمى أمانيه وأعظم غاياته؛ إذ مات شهيداً ومعه زوجاته الأربع وتسعة من أبنائه في سبيل الله سبحانه وتعالى، ثم من أجل الوطن والحرية؛ حيث استهدفت منزله مقاتلة صهيونية حاقدة من طراز إف 16 بصارخين متتاليين!

تلك نبذة مختصرة وسريعة أوثقها هنا لأشير إلى نزرٍ يسيرٍ من إنجازات رجل شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وجاهد لنيل إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة، فنال شرف الشهادة تاركاً خلفه جيلاً يسير على دربه وبصوت العز ينادي: (جهاد جهاد نصر أو استشهاد).

فهل من وقفة تأملٍ صادقةٍ ننتصر فيها على أحقادنا!

أسأل الله العلي العظيم أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه!

كاتب فلسطيني - الرياض


aaajoudeh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد