المضامين النبيلة لعمق التعاطف بين الناس تختبئ في طيات الضمائر فإذا لامستها المحكات استيقظت وانهمرت إدراراً متواصلاً وتعبيراً صادقاً. هذه المضامين النبيلة رأيتها منهمرة أمام عيني في وداع الشيخ راشد بن دايل -رحمه الله- فقد امتلأ المسجد بالمعزين الحريصين على الصلاة عليه وفاء لحق الأخوة عليهم، والذين أتوا قبل الأذان استطاع بعضهم أن يعزي أولاده ومحبيه، في حين أقيمت الصلاة قبل أن يتمكن الكثير من التعزية، وكذلك امتلأت المقبرة بالمشيعين له ممن حرصوا على تشييعه والدعاء له. ومن المؤكد أن مضامين الوفاء هذه لم تأت من فراغ وإنما صنعتها تراكمات من العطاء والبذل وجميل الأخلاق التي عرف بها الشيخ راشد -رحمه الله- فقد عرفته متواضعا في كلامه وملبسه وممشاه وتعامله مع الآخرين، دمث الخلق حلو السجايا، يفيض على زائريه إشراقات البشر والترحيب حتى يخجلهم، اتصف بالحكمة وبذل الرأي لمن استشاره، والركون إلى الحق إذا نصح به، وعهدته مشاركا للآخرين مناسباتهم وحريصا على حضورهم لمناسباته الاجتماعية، ومما تميز به -رحمه الله- تلك المداعبات المحببة التي يمطر بها مجالسيه لتؤنسهم وتكون جسر تواصل عاطفي معهم دون أن يؤذيهم بكلمة نابية أو وصف جارح. غير أن العنوان الكبير الذي شدني إلى الشيخ راشد بن دايل -رحمه الله- هو حرصه على سلامة العلاقات الأسرية في محيط أسرته، وفي رأس هذا الاهتمام عنايته بتربية أولاده تربية راقية تؤهلهم لمسؤوليات الحياة وتشيع بينهم روح الأخوة الحقيقية وتؤهلهم لعلاقات اجتماعية راشدة كي يألفوا ويؤلفوا، والذين يعرفون هذه الأسرة يعرفون الرابطة القوية التي تربط بين أولاد الشيخ راشد -رحمه الله- وحبهم للناس وتسخير كل جهد ممكن لخدمتهم والحرص على صلة الرحم القريب والبعيد. ومما يذكر فلا ينكر حب الشيخ راشد بن دايل لفعل الخير والمسابقة إلى نفع الناس به الأعمال، فقد كانت يده رطبة بالخير، بنى العديد من المساجد في أماكن متفرقة من المملكة وفي مشروعاته ومزارعه، وأتاح فرصاً للفقراء كي يساعدوا أنفسهم بتشجيعه ودعمه لهم، كما كانت له جهود في إيصال الكهرباء لمنفوحة عندما كانت من أطراف الرياض، وحيثما تتبعت أفعال البر في جمعيات البر وفي المبرات الخيرية فستجد إسهامات الشيخ راشد -رحمه الله- شاهدة على كرمه وحبه للخير. والشيخ راشد بن دايل من كبار رجال الأعمال في هذه البلاد، وهو من أوائل الذين حرصوا في استثماراتهم على التصنيع لسد الاحتياجات المحلية ولم تغادر أمواله ومدخراته خارج الحدود لأنه كان يرى ذلك عقوقاً للوطن الذي أعطى وأتاح الفرص.
الشيخ راشد بن دايل من سلسلة الرجال العصاميين المكافحين الذين يفخر الوطن بعطاءاتهم فقد عمل في وزارة الدفاع موظفاً صغيراً ثم استطاع بجهوده الذاتية وعمله الدؤوب وصدقه مع نفسه ومع الناس وحسن تصرفه وبعد نظره أن يبني ثروة جعلته من ضمن كبار رجال الأعمال فلا عجب بعد ذلك أن تكون له علاقات وطيدة مع بعض أصحاب السمو الملكي الأمراء من أبناء عبدالعزيز وغيرهم لمعرفتهم بجهوده وإسهاماته.
رحل الشيخ راشد بن دايل -رحمه الله- عن هذه الدنيا الفانية لكن لم تذهب محبته من نفوس عارفي فضله ومقدري جهوده وممن سعد بتواصله معه.
لا نقول سوى قول المؤمنين الصابرين {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- * عضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية
alsmariibrahim@hotmail.com