حضرت صالونا ثقافيا، وفي ذلك الصالون ذكر لنا أحد الأدباء في تلك الأمسية الجميلة قصيدة لأحد الشعراء العرب وهو الصمة بن عبدالله القشيري حيث قال:
|
تعز بصبر لا وحدك لا ترى |
بشام (الحمى) أخرى الليالي الغوابر |
كأن فؤادي من تذكره (الحمى) |
وأهل (الحمى) يهفو به ريش طائر |
وبعدها تنهد ذلك الأديب وقال: (ضرية وحماها.. قطعة من الشام)، فبدأت من تلك اللحظة أقرأ عن تلك المنطقة العريقة والفريدة من نوعها، والتي تنطلق دائما بجناحين عظيمين هما جناح العراقة والتاريخ الموغل في القدم، وجناح الطبيعة الساحرة التي وهبها الله من جبال ووديان ذكرها عديد من الشعراء، وخلدوها في الكثير من قصائدهم مما جعلت لكلمة (الحمى) ذلك الوقع في الوجدان.. ومنذ ذلك الحين وأنا مشتاق لرؤية ضرية و(حمى) ضرية..
|
حقق الله رغبتي برؤية تلك المنطقة العريقة عندما تلقيت دعوة كريمة من رئيس المجلس البلدي بمدينة بريدة الأستاذ المميز إبراهيم الربدي الذي تبنى فكرة رائدة ووطنية متمثلة ببرنامج سياحي احترافي نادر يضم نخبة من الأكاديميين والإعلاميين والباحثين والمهتمين بالبيئة والسياحة والمشرفين على بعض المنتديات مثل (مكشات)، ومنتدى بريدة، ومنتدى بريدة سيتي، ومنتدى الرحلات، وغيرهم.. قامت هيئة السياحة والآثار بمنطقة القصيم مشكورة بتنظيم هذه الرحلة السياحية الداخلية إلى ضرية، فهذه الرحلة باكورة برنامج سياحي بعنوان (سياحتي في بيئتي). وشعار هذه الرحلة (استكشف ضرية.. الأرض العذية)، انطلقت الرحلة ظهر يوم الأربعاء بتاريخ 16 - 2 - 1430هـ من مدينة بريدة صوب ضرية، ومن أبرز المشاركين في الرحلة الأستاذ إبراهيم الربدي والدكتور جاسر الحربش المدير التنفيذي لهيئة السياحة بالقصيم، والدكتور عبدالعزيز الجارالله، والأستاذ صالح التويجري، والدكتور أحمد الشبعان، والدكتور عمر اليحيى، والدكتور محمد الفارس، والرسام التشكيلي الأستاذ علي السعيد، والأستاذ عبدالله الوابلي، والدكتور عبدالله الطريفي، والخبير بشؤون النحل الأستاذ ناصر الغصن، والأستاذ صالح الهويمل، والأستاذ محمد الشاوي، وغيرهم.. وفي طريقنا إلى ضرية ذكر لنا الأستاذ الربدي عن أهداف هذه الرحلة وهي:
|
* استطلاع واكتشاف ضرية حيث إنها موقع بكر وواعد بالجوانب الاستثمارية والسياحية ونقل الصورة للمستهدفين من أسر وهواة رحلات ورجال أعمال، وغيرهم.
|
* تسليط الضوء على بعض المعالم السياحية في ضرية وكيفية توظيفها.
|
* تنمية روح العمل المشترك لجذب الاستثمار والسياحة.
|
* رفع مستوى الوعي بأهمية المحافظة على البيئة وأنها من أهم عناصر الاستثمار في المنطقة.
|
عند ذلك تحدث المشرف على موقع (مكشات) الأستاذ المبدع الشاوي ومما ذكره لنا: أن ضرية تقع في منطقة القصيم في مكان متميز في (عالية نجد) الذي يتميز عن غيره من الأماكن بطيب هوائه وعذوبة مائه حيث تتبع ضرية لمنطقة القصيم إداريا، وتبعد عن محافظة الرس 150 كلم، وتبعد عن محافظة عفيف 90 كلم، وعن محافظة الدوادمي 190 كلم، فهي تقع في منتصف الحدود الإدارية للقصيم والدوادمي وعفيف والنبهانية، ويضيف الشاوي بأن عمر مدينة ضرية كما تذكر كتب التاريخ إلى أكثر من 1500 عام حيث تشتهر منذ القدم بأنها مركز لتجمع القوافل بنوعيها الحجيج والتجارة، ويعتبر مركز ضرية من المراكز الهامة بالقصيم وقد زاد من أهميتها أنه مركز خدمات ريفي وحضاري في المنطقة الشاسعة المحيطة بها لتوفر كافة مقومات الحياة بها. وتم تأسيس مجمع الخدمات القروية بضرية عام 1401هـ، ويتبع خدماته أكثر من 72 قرية وهجرة.
|
في تمام الساعة الثالثة والنصف ونحن في طريقنا إلى ضرية وصلنا إلى محافظة النبهانية فكان في استقبالنا الأستاذ فهد المطرفي رئيس المجلس البلدي في المحافظة، وصحبنا بعد ذلك في رحلتنا، وذهب بنا إلى القصر الرائع والمسمى (قصر ضيف الله المطرفي) المشيد سنة 1976م حيث تناولنا فيه القهوة في ذلك القصر الواسع الذي يعتبر من معالم منطقة القصيم، واتجهنا بعد ذلك إلى عدة قرى وهجر ونحن في طريقنا إلى ضرية منها: القيصومة، الصويتية، الداس، الهمجة، بقاع الجنوبية، بدائع الضبطان، مسكة، إلى أن وصلنا ضرية في تمام الساعة الخامسة والنصف حيث كان في استقبالنا أعيان ضرية يتقدمهم رئيس بلدية ضرية ورئيس المجلس البلدي فيها الأستاذ المبدع محمد بن ماطر الغريب حيث استقبلونا باستراحة جميلة داخل ضرية، وقد كان الاستقبال مفعماً بالمشاعر الغامرة والحب الصادق والكرم، انطلقوا بنا بعد ذك في جولة حول المدينة الهادئة بأسواقها وحدائقها وجبالها، واتجهنا بعد ذلك إلى المخيم المعد بكل عناية والواقع على طريق ضرية - عفيف وتحديدا في (دارة جبل وسط) بين جبال (وسط) وجبل (عسعس) الذي يقع شرق المخيم وهو جبل عال في السماء وهو من مواضع حمى ضرية.
|
وقد كان هناك برنامج معد بعناية حيث قدم مدير التعليم بضرية الأستاذ صالح السويلمي نبذة مختصرة عن ضرية، وأرضها وتراثها، وصور حديثة رائعة أخذت حديثا عن تلك المنطقة العريقة مستخدما الوسائل التقنية الحديثة، بعد ذلك رحب بالوفد الأستاذ الغريب بكلمة رائعة، وشكر الأستاذ الربدي أعيان ضرية على هذا الاستقبال والتنظيم الرائع، وختمت الأمسية بشعر متميز قدمه الشاعر المعروف حجاج العتكاء، والشاعر ناصر القزلان، وأخيرا تناولنا طعام العشاء، واستمرت الأمسية بعد ذلك إلى منتصف الليل في هذا المكان التاريخي، وأنا أتذكر قصة الشاعر وقد أوشك أن يستسلم للنوم بعد تعب الطريق، راعه صوت تتقطع له نياط القلوب، إنه صوت ناقته الوفية تحن إلى مرابع (الحمى) وقد رأت برقا في تلك الناحية:
|
وحنت قلوصي بعد هدء صبابة |
فيا روعة ما راع قلبي حنينها |
جثت في عقاليها وشب لعينها |
سنا بارق يسري فجن جنونها |
فقلت لها صبرا، فكل قرينة |
مفارقها لابد يوما قرينها |
وما برحت حتى ارعوينا لصوتها |
وحتى انبرى منا معين يعينها |
ولنا مقالة قادمة عن (الحمى) وأهل (الحمى) يتبع.
|
عميد الكلية التقنية في بريدة |
|