الباحة - خاص بـ(الجزيرة)
أكَّد فضيلة رئيس محاكم منطقة الباحة الدكتور مزهر بن محمد القرني أن الستر على المسلمين بتغطية العيوب وإخفاء الهنات خلق كريم حث عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (من ستر على مسلم ستره الله) ومعناه أي رآه على قبيح فلم يظهره للناس وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه.
وقال فضيلته: إن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم وليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة قال النووي - رحمه الله -: (وأما الستر المندوب إليه فالمراد به الستر على ذي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة).
وشدد الدكتور القرني - في حديث له عن الستر - على أن في ستر الإنسان على أخيه حث على التعاون، وحسن الألفة إذا لم يكن معروفاً بالأذى والفساد، وهو سبب لستر الله على العبد في عرصات القيامة كما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يستر عبدُ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة).
وبين أن ستر الإنسان على نفسه قد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بقوله: (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)، وحذر من المجاهرة بالذنوب والمعاصي كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله. فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه).
واستشهد فضيلته بما قاله ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزيز إن لم يوجد حداً، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته، سبقت غضبه. فذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (مادام الذنب مستوراً فمعصيته على صاحبه خاصة، فإذا أُظهِرَ ولم يُنْكر كان ضرره عاماً) بشرط أن يكون الستر مقيداً بقيود حتى لا يتحول من فعل محبوب ومطلوب إلى زعزعة للأمن واستهتار بشعائر الدين واستخفاف بأوامر الإسلام وتعليماته.
وختم فض0يلة الدكتور مزهر القرني حديثه مبيناً أن هناك عدداً من القيود والضوابط للستر:
أولاً: أن لا يكون الجرم كبيرة من الكبائر؛ لأن ستر الكبائر يؤدي إلى اقتحام حمى المعاصي والآثام الموجبة للهلاك والبعد والطرد عن دار السلام وللخزي والهوان والذلة والخسران.
ثانياً: أن يكون الستر صادراً من الإمام أو نائبه فيما يجوز الستر فيه.
ثالثاً: ألا يكون العاصي مجاهراً بمعصيته ومفاخراً بفعلته لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين).
رابعاً: ألا يكون الجرم الكبير قد بلغ الإمام؛ لأن ما بلغ الإمام لا يجوز ستره لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب).