منذ بضع سنوات سعى القائمون على الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم على تطوير آليات العمل لديهم من خلال استخدام الوسائل الفنية الحديثة، التي تعين على أداء عملهم بيسر وسهولة، وطبقوا بعض الوسائل والطرق التربوية الهادفة إلى دراسة مشكلات التسرب، والتذمر، والفتور لدى الدارسين، وما إلى ذلك مما له علاقة بدارسي القرآن الكريم، والمعوقات التي تواجه العاملين. وكان لكل جمعية من الجمعيات جهودها المحدودة في إطارها.
ولأن القائمين على الجمعيات نحسبهم من الساعين إلى الاتقان في العمل، امتثالاً لما أمر الله به سبحانه وتعالى، وما أوصى به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يقصروا عملهم ودراساتهم على محيطهم فقط، بل سعوا إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، فكانت الملتقيات الخاصة بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم. وهكذا نرى أن العمل في الجمعيات بدأ من الجهد الفردي المجتهد البسيط، إلى العمل المؤسسي المنظم، واستفادة الجمعيات من الخبرات الإدارية والقانونية في صياغة الأنظمة واللوائح الخاصة بها. وإذا كانت بعض الأنظمة واللوائح الداخلية تختلف من جهة إلى أخرى، فهذا أمر طبيعي لأنه من الصعوبة أن تلتزم كل الجمعيات بلوائح موحدة في كل جزئية، إذ لا بد من المرونة لاختلاف ظروف كل جمعية عن الأخرى.
وأعود للحديث عن صميم الموضوع لأقول، إن ملتقيات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، التي تعقد سنوياً في مختلف المناطق بالتناوب ثمرة من ثمار التطوير الذي سعى إليه القائمون على الجمعيات، وهدفوا من خلالها إلى تبادل التجارب والخبرات، وتلاقح الأفكار ليس من القائمين على الجمعيات، بل حتى على مستوى الجهات ذات العلاقة. فقد رأينا المشاركة ببحوث من متخصصين في مجال العلوم الاجتماعية والنفسية، ومن مختصين في مجال التربية، ومن آخرين في مجال الإدارة والتطوير الإداري، ومثلهم في مجال الحواسب الآلية، عدا الأساس وهم من يقومون بالعمل التنفيذي في الحلقات، أو يشرفون عليها، أو على جمعيات التحفيظ. وقد قدم أهل الخبرة عصارة خبراتهم في عدة عقود مضت للمبتدئين الجدد في هذا الميدان، ومن ملتقى إلى آخر رأينا ولمسنا التطور والتقدم في أداء الجمعيات، والارتقاء بمستوى التنظيم والضبط الإداري والمالي، بل والتقدم في مستوى الحفاظ كماً وكيفاً.
وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم هي أولى من غيرها بهذا الجانب، فإذا كنا ملزمين ومأمورين بأن نتلو القرآن الكريم، ونجيد قراءته وتجويده وضبطه، فإن الجهات المنوط بها الإشراف والتنفيذ على هذا العمل المبارك، واجب عليها أن تتصف بالانضباطية والالتزام والدقة، وحسن التنظيم والبعد عن العشوائية. وهذا -ولله الحمد- ما نأمله في أهل القرآن.
وفي مقالة سابقة ناشدت جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بأن تسعى إلى تبنيه، وهو إنشاء وحدة للدراسات والبحوث في كل جمعية تتولى رسم الإستراتيجيات، والخطط، حتى لا تكون محل اجتهاد فردي، كما تتولى إعداد الدراسات الخاصة بالموارد المالية، وتنميتها حتى لا تقف البرامج في محطة العجز المالي، كما تتولى دراسة بعض الأمور المتعلقة بسير العمل في الجمعيات، خاصة ما يتعلق بسلوك الطلاب أدباً وحفظاً والتزاماً، وأسباب تسربهم، ودوافع مواصلتهم، ودراسة ما يقدم في الملتقيات والندوات الخاصة من مقترحات، ومحاولة إعادة تطبيقها وتكييفها بما يلائم واقع الجمعية، وإمكاناتها، وما إلى ذلك حتى يتم الخروج بأفضل النتائج، وتحقيق الأهداف المرجوة من هذه الملتقيات.
alomari1420@yahoo.com