طوال سنوات طفولتي وعمري وأنا أنعم من نبع الرقة والحنان(جدي الغالي).
وبين غمضة عين وانتباهتها يجف هذا النبع في يوم الثلاثاء التاسع من رمضان إثر نوبة قلبية
ونحسبه مأجورا عند الله..
نحن في هذه الحياة عابري سبيل..
لقد كان جدي منبعا للرأفة والرقة والحنان. وبعد فقده فإن قلبي المكلوم والملتهب حزنا لم يجد ما يطفئه سوى الالتفاف حول جدتي الغالية والدعاء لها بطول العمر على طاعة الله، والأمل بالله أن يجمعنا معه في مستقر رحمته. لقد كانت وفاة جدي صالح فجأة؛ فأنا وإخوتي وولداي كنا في شوق عظيم (والعظمة لله) لرؤيته لأنه كان متشوقا للمجيء إلينا لزيارتنا قبل يوم وفاته لأنه بدأ بخطته لزيارة أبنائه فبدأ بالكبر وكانت زيارته لنا باليوم الثالث، إلا أن المنية خطفته منا قبل أن نقبل رأسه ونسلم عليه - أسأل الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة - في يوم لا محالة سينقطع بنا هذا السبيل، ولن يبقى في هذه الحياة سوى الذكرى الطيبة الحسنة التي نعطر مسامع الناس بها مثلك (جدي)..
وأود التحدث قليلا عن جدي صالح بن عبدالرحمن بن إبراهيم، فهو أحد أبناء حوطة بني تميم البارين.
كان طيب القلب لا يعرف الحسد له طريقا، والكل يشهد له بذلك وكان قلبه رقيقا عطوفا حانيا، يتأثر عندما يتذكر من توفى من أقاربه أو عندما يقصص ويحكي لنا عن حياته وطفولته وذكرياته البريئة وقصص أبنائه من خلال تربيته لهم، وكان ولله الحمد حريصا على الصلاة، وتشهد له روضة المسجد.
كان جدي ونور عيني يحب أحفاده، كان يرحمه الله رحمة واسعة كريما محبا لإطعام الطعام، فإذا اجتمعنا نحن أحفاده يحرص على أن يتناول الجميع طعام العشاء.
ويكرم الضيوف إكراما جليلا، وحين أجلس بجواره فلسانه لا يخلو من ذكر الله وعند مداعبته أذكره بملازمته الدعوات لي بين حين وآخر بالنجاح والتوفيق أذكره بنطق الاسم بالدعوة لتخص ويرد بالعموم - يرحمه الله - ومن هنا عرفت مبدأ المساواة وحب الخير للجميع كانت دعوة من إنسان بار بوالديه طاهر اللسان أبناؤه يشهدون له ولازالوا بالتذكير بين حين وحين آخر بأفعاله ولله الحمد..
يوجب ويحرص على الوصل ولم شمل الأسرة بأكملها هذا شيء يسير جدا من سيرته العطرة -يرحمه الله-.
شكرا جدي على ما أورثته لنا من سمعة طيبة وذكرى خالدة لك.. الجميع يثنون ويشهدون لك بأفعال الخير ويدعون لك - أسكنك الله جنات الفردوس - وما يفرحني ولله الحمد رؤية والدي أمده الله بالعمر المديد بالسير على خطى والده وقدوته بالحياة..والذي يثلج الصدر ويهون المصيبة ابتسامته التي ارتسمت على وجهه وبياض جسده بعد تغسيله، كذلك مئات المصلين الذين صلوا عليه ودعوا له يوم وفاته واكتظاظ المسجد والمنزل بالمعزين..
جدي الغالي اعرف انك لم ولن تسمعني في مستقبل الأيام، ولكن أحدثك لأعبر عن ما بداخلي اتجاهك، فأعدك ألا أنساك من صالح دعائي وصدقاتي الجارية يا منبع الحب الحنان والكرم..
لن أقول جف الحنان من حياتي لطالما والداي - أطال الله بأعمارهم - شمعة دارنا على قيد الحياة.. لكن أسأل الله المداومة على الحنان والعطف والرأفة والحب الصادر من والداي أحبابي - أمدهم الله بالعمر المديد جميعا - وباقي أجدادي أطال الله بأعماركم (وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفي جدتي ويعافيها ويقومها بالسلامة لترتسم البسمة على شفاهنا بشفائها وكل مسلم.. اللهم آمين وتسعد والدتي بعافية والدتها يارب).
(اللهم إن صالح بن عبدالرحمن في ذمتك، وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق. فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم).
(اللهم اغفر له وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار).
اللهم ارحم موتنا وموتى المسلمين أجمعين اللهم آمين.. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}
أملي من الجميع الدعوات صادقة من القلب لجدي الحبيب.. لا أراكم الله مكروها بغالي، اللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك واليوم الموعود المكتوب.