Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312
الحبر الأخضر
اللجان الاستشارية في الهيئات والشؤون الإسلامية
أ. د. عثمان بن صالح العامر

 

يعتقد البعض منا أن المستشارين في مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة بلا عمل وليس لإدارتهم توصيف وظيفي واضح، فهي وظائف وجدت إما لركن من انتهت صلاحيته وأصبح غير مرغوب به ليبقى بعيداً عن القرار أو لشغلها بمن لهم حظوة ويراد أن تكون فترة العمل بإدارة المستشارين بمثابة التدريب غير المعلن تهيئةً لما بعد ذلك من منصب إداري أعلى، وهذه النظرة وتلك ليست في نظري صحيحة على إطلاقها، كما أنها وإن وجدت في مؤسسة من مؤسسات الدولة إلا أنها ليست هي الغالبة، والتعميم في مثل هذه الأمور ليس حقاً، ويحتاج إلى تقصّ وتثبت ودراسة من أهل الاختصاص. ومن التجارب الشورية المتميزة التي تستحق الحديث عنها والإشادة بها - في نظري - تجربة (اللجان الاستشارية في فروع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)؛ فهي كانت وما زالت بمثابة حلقة الوصل بين مَن هم في الميدان من منسوبي الوزارة (خطباء وأئمة ومؤذنين ودعاة ومرشدين) وبين الجهات الرسمية والمجتمع الداخلي وكذا الخارجي. والمتتبع لمسيرة هذه اللجان يعرف مدى أثرها الإيجابي ودورها المهم في الوقوف أمام أي خروج عن المنهج الصحيح سواء حين الوعظ أو في الخطبة والدرس، ليس هذا فحسب، بل هي مَن يسأل المقصر وينصح المتهاون ويشيد بجهود المتميز، ولو حدث أن أخلّ أحد في أداء الواجب كان منها التوجيه والإرشاد، وربما وصلت الأمور إلى التوصية بالفصل أو الإعفاء أو النقل، تناقش قضايا الإرهاب والتطرف وتبيّن أخطاء الفرق والجماعات، وترشد إلى منهج السلف الصحيح القائم على الدليل، كل هذا بسرية تامة وبعلمية رصينة وخبرة واسعة وطويلة، وهي مرتبطة هيكلياً بمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والمدير العام لفرع الوزارة في المنطقة لا يعدو أن يكون عضواً فيها، وكذا مدير مكتب الدعوة والإرشاد، أما بقية الأعضاء فيتم اختيارهم من بين أهل العلم والفضل المعروفين برجاحة العقل والتروي في الأمر، ويصدر بهم قرار من معالي الوزير، ودورتها أربع سنوات، وينتخب الرئيس من بين الأعضاء حسب ما يراه المجتمعون يحقق المصلحة. إنني شخصياً اعتقد أن هذه التجربة من أنجح السبل للاستفادة من المستشارين، سواء المفرغون أو غير المفرغين الذين ينتشرون في كل القطاعات والمؤسسات الحكومية، ومن باب المشاركة في رأب الصدع المجتمعي القائم وتوحيد السياسات العامة في المناطق وأخذ الاختلاف بين العادات والسلوكيات والحالات حين النزول إلى الميدان وحتى يتسنى الاستفادة من قدرات وخبرات الأكاديميين والقضاة وطلبة العلم الشرعي في كل منطقة فإنني ومن باب المشاركة أعتقد أن وجود مثل هذه اللجنة في فروع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنتشرة في جميع مناطق المملكة قد يعد من الوسائل الطيبة التي تحقق التوازن وترفع عن كاهل التنفيذيين الضغوط والاتهامات على أن تقوم هذه اللجنة بالدراسة والتحري وبحث المسائل والتذكير بالأحكام والجلوس مع من يحدث منه تقصير أو خروج عن المهمة الرسمية نتيجة حماس غير منضبط أو غيرة تولّد منها الاندفاع غير المرشد أو غلبة ظن جانب الصواب أو ترجيح دفع مفسدة واقعة أدت إلى مفسدة أعظم قد لا تكون حاضرة في ذهنية المنكِر أو.. ولا يعني هذا أنني أعمم أو أتهم لا سمح الله، وإنما ليكون العمل المتقن أكثر اتقاناً والسلامة المتوخاة بنسبة معينة تصير سلامة متيقنة بإذن الله والمصلحة العامة المرجوة تضحى متحققة إن شاء الله، وحتى تكون هذه اللجان حلقة الوصل مع الجهات الرسمية والمجتمعية، واللجنة المقترحة هي المخولة بصفتها الجماعية بمطارحة ومدارسة ما يُثار في قضايا إنكار المنكر ومن ثمَّ رفع توصياتها التي تراها إلى صاحب الشأن، وكذا هي من يملك إبداء رأيه حيال ما يكتب من ملاحظات واتهامات سواء في الصحف أو وسائل التعبير الأخرى والرفع بها كتوصية مدروسة من جميع الجوانب لمعالي الرئيس - وفقه الله وسدد على الخير خطاه - ولا يعني هذا الجور أو الدخول على صلاحيات المدير العام للفرع ولا حتى الانخراط في معمعة الأحداث اليومية، وإنما هي تقف جنباً لجنب مع الفرع، ودورها لا يتعدى حدود المشورة غير الملزمة، ولا يحط هذا الاقتراح من قدر المنتمين إلى هذا القطاع المهم؛ فقد أمر الله نبيَّه محمد صلى الله عليه وسلم بمشاورة من هو دونه من أصحابه فقال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ). وإلى لقاء، والسلام.



للتواصل: nwr87@msn.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد