لا أحد ينكر جهود الأمراء النبيلة،ومساعي المشايخ الحميدة لإنقاذ رقاب بعض المواطنين من القصاص.وكذلك مساهمات رجال الأعمال السخية، ودعوات الناس الصادقة لإعتاق الرقاب من القتل بعد تصديق الاعترافات وصدور قرار شرعي من محكمة التمييز ومجلس القضاء الأعلى. وكلنا يعلم أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. فالتدخل لإحياء النفس مطلب، وفيه أجر لمن يبتغي به وجه الله ويرغب.
ولا شك أن إعتاق الرقاب بالصلح يحد من المشاكل التي قد تظل آثارها قائمة، وسلبياتها ظاهرة بين الطرفين. إلا أن ما يشوه مجالس الصلح التي يعقبها عادة التنازل عن القصاص، وصف صاحب العفو عن القاتل بالشهامة والفضل، وبالحقيقة هو استلم مقابله مبلغا ماليا كبيرا يصل للملايين!
وهذه الأموال التي يطلبها ذوو الدم فيها تجاوز للحدود المعقولة دون النظر لأحوال الجاني المادية بعد سنوات من السجن، أو تقدير صغر السن أو اليتم لبعضهم! فهم يتنازلون عن حق لهم، ويتبعونه بالمن والأذى، فيحمَّلونه حقوقا مادية قد تهدر كرامته، وتذل نفسه للاستجداء بكل الطرق النظامية وغيرها كاللجوء للصحف والرسائل القصيرة لجمع المبالغ الضخمة.
وتشير حالات التنازل بأن أهل الدم قد عفوا لوجه الله تعالى، بينما يظهر الأمر غير ما أُعلن.حيث تعقد اتفاقات وصفقات من الباطن تصل فيها الديات إلى ما يزيد عن عشرين مليون ريال! وأحيانا يشترطون قصورا فارهة، وسيارات فخمة!
وبرغم عظم المصيبة وجلل الخطب إلا أنه ينبغي عدم الإسراف في الطلب، فتلك النفس التي ذهبت غدرا بتحريض من الشيطان لن تعود مهما كانت التعويضات! ولا أحد ينكر أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعا! فليكن حينئذ الصبر والاحتساب بديلا، ونعم البديل.حيث قال عز وجل { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقال تعالى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، ولم يحدد الله قدر الأجر ولا نوعه، وقد يكون جنة عرضها السماوات والأرض! مع ضرورة التسليم بأن ما حصل هو قضاء الله وقدره، وتتفاوت الأسباب. وليحمد أهل القتيل الله كثيرا أن باب الأجر مفتوح حتى في أمر القتل حين يَهدي الله المرء للعفو.وليعلم بعدها أن الفرق كبير بين من يعفو لوجه الله ومن يتنازل من أجل قبض المقابل. وإني لأرجو التقيد بتوجيهات المقام السامي بعدم المبالغة في طلب الأموال مقابل التنازل مهما كانت الأحوال،كالمساومة في شراء العفو أو المزايدة على دم القتيل! لأن في ذلك أذى وتكليفا على الناس، وقد يطلقون دعواتهم الحارة على أهل الدم فيتحولون جناة بعد أن كان مجنيا عليهم!
وهي دعوة للإشادة رسميا في وسائل الإعلام بأصحاب العفو الحقيقي لوجه الله فعلا دون مقابل، والدعاء لهم في المساجد.وبالمقابل بث أخبار التنازل بمقابل وتسميته (تنازل بتعويض) وليس عفوا.
كما أناشد المحاكم والشؤون الاجتماعية دراسة أسباب مشاكل القتل لمعرفة أبعادها وتبعاتها ومدى المنافع الاجتماعية من الصلح والتنازل دون ظلم لأحد. مع الأخذ بالاعتبار أن يتم الصلح في القضية قبل صدور الحكم الشرعي لكيلا تكون حدود الله مجالا للتدخل بعد صدورها!
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض11342