* هذا ما خطر في بالي عندما عزمت أن أكتب عن أستاذي الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير الدولة والمثقف الموسوعي المعروف والمؤرخ قبل ذلك كله، وكم فرحت عندما علمت أنه الشخصية الثقافية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (24) لهذا العام، تذكرت أول لقاء جمعني به في مجلس شيخي حمد الجاسر علامة الجزيرة - رحمه الله - قبل سنوات، حيث اعتاد حضور الخميسية أن يشاركهم الدكتور عبدالعزيز الخميسية بالحضور والنقاش العلمي الهادف، وكم سمعت منه حوارات وسجالات علمية حول تأريخنا السعودي وبدايات التأليف في تأريخنا الوطني، بينه وبين حضور الخميسية في حضرة علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر قبل وفاته، وقد كانت تلك النقاشات نموذجا لمجالس العلم وحلقات الفكر وتقدير العلماء، كما تعلمت من تلك المداولات كيف يكون النقاش العلمي وسطيا ومعتدلا بعيدا عن التشدد ومصادرة الرأي الآخر، وهاهو يقول في كتابه رصد لسياحة الفكر (وطدت نفسي منذ بدأت هذا النهج على دراسة ما أجد انه يستحق الدراسة، وعلى أن يطلع القارئ على ما توصلت إليه في سياحتي هنا وهناك، ووطنتها كذلك في أن أنظر في دراستي إلى الجزء الملآن من الكأس لا الجزء الفارغ. لأن هذا نهج حمدته في علاقتي مع الناس في الأمور الاعتيادية لأن ثقافتي ملأتني بالإقرار لكل فرد بوجاهة رأيه حتى إذا لم يعجبني، أحترمه وقد لا أتبناه، ومن يعلم فقد يأتي يوم أجد فيه أنه كان يجب أن يكون هذا رأيي، وأن رأيي الأصل كان فيه خطل (وللحقيقة كان معاليه من أبرز الشخصيات العلمية التي كانت تحضر مجلس علامة الجزيرة إبان حياته، واستمر في الوفاء لأستاذه بحضور مجلسه ضحى كل خميس بدارة العرب بعد رحيله، فكان معاليه رئيسا لمجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الثقافية التي انطلقت بمباركة الأمير سلمان بن عبدا لعزيز أمير منطقة الرياض الرئيس الفخري لمجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الثقافية، ومما أذكر بفخر واعتزاز هو أنني توليت إدارة مركز حمد الجاسر الثقافي، وكانت فرصة كبيرة لي أن أتعامل مع الدكتور عبدالعزيز الخويطر، وأفدت منه في جوانب كثيرة منها الإدارة والتعامل مع أعضاء المجلس،وما يجد من قضايا ثقافية وفكرية وأتذكر هنا عددا من المواقف (البسيطة) التي ترسم خارطة سلوك فريد لرجل متفرد.
* عندما أعرض عليه محضر اجتماع مجلس الأمناء يعود إلي وقد شطب معاليه حرف (د) الذي قدمناه على اسمه تقديرا له، لكنه حذفه زهدا وتواضعا كعادته، رغم أنه هو من أول ممن حصل على شهادة الدكتوراه، ويكفي أن ننظر إلى ساحتنا اليوم التي يتصارع فيها الكثيرون من أجل (د).
* عندما يهاتفني معاليه لأمر يخص المركز أول ما يصلني صوته الهادئ بدون سكرتير أو مدير مكتب، حتى أنني في البدايات، عندما أسمع صوته، أبادره مقدرا له اتصاله قائلا له: معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر فيرد علي بكل تواضع: عبدالعزيز الخويطر يا سهم، طيلة تلك السنوات وبعدها لم يطلبني معاليه بواسطة سكرتير أو مدير مكتب، رغم ارتباطاته الكثيرة ومسؤولياته الأكثر.
* دقته في مواعيده، وحرصه الشديد والفريد في الالتزام بما يطلب منه في المناسبات الاجتماعية والرسمية، رغم كثرة مسؤولياته، حتى أنني سمعته ذات مرة يقول في مجلسه: إذا أرت لعمل ما أن ينجز فأسنده إلى رجل مشغول (أعتد أن أحضر مجلسه الأسبوعي في منزله العامر بحي الريان، وقد وجدته يحرص أشد الحرص على استقبال زائريه وتوديعهم بنفسه، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية،كما وجدته أقل الناس حديثا في ذلك المجلس رغم تشوق الحاضرين لسماع تجربته الحياتية، بل إنه يدعو من يحضر ذلك المجلس إلى تدوين سيرته ومسيرته مهما كانت، ليضيف شيئا إلى ذاكرة الوطن، حتى أنني سمعته ذات مرة يقول للصديق حمد الصغير: متى تجلس وتكتب ما مر عليك من قصص وحوادث في كتاب يستفيد منه الناس بعدك؟، ويشبه معاليه مايكتبه أحدنا من سيرته الذاتية بالولد الذي يبقى بعد ما يموت ويموت ولده الذي من صلبه، فلا يبقى له بعد رحيله إلا ذلك الولد الذي سيبقى حافظا ذكره على الرف أبد الدهر!!!!!.
وأخيرا هذه كلمات مختصرة عن مرحلة مهمة من عمري، كانت في حضرة أستاذي عبدالعزيز الخويطر، وقد تمنيت أن ألقيها بين يديه في حفل تكريمه في الجنادرية لهذا العام، ولكن لظرف خاص منعني من حضور ندوة تكريم الشخصية الثقافية بقاعة الملك فيصل، وجدت أنه لابد من نشرها محاولة ووفاء لهذا الرجل الذي كرمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إشارة من إدارة المهرجان الوطني الى أجيالنا الحاضرة أننا في هذا البلد المعطاء نملك ما هو أغلى من النفط ألا وهو رجال أخلصوا وتفانوا في خدمة وطنهم وقيادتهم الرشيدة فاستحقوا تكريم الوطن في مهرجان الوطن.
سهم بن ضاوي الدعجاني