ابتدع عبدالله القصيمي - رحمه الله - مصطلح (ظاهرة صوتية).. فصارت مصطلحاً يعني الذم.. ومن ضمن من تعرضوا للذم به الثقافة السعودية ودليلهم أن كلمة (مسرح) تتكرر في أدبيات وكلمات المثقفين السعوديين - رغم أنه ليس لدينا مسرح - أكثر مما تتكرر الكلمة ذاتها في أدبيات مثقفي دول عريقة في المسرح كإنجلترا وأمريكا.
إن ما حصل لثقافة المسرح والسينما من تهميش ألغاهما تماماً من المشهد الثقافي السعودي شيء مؤسف.. لأنه مضر بحراك أي مجتمع.. لكنه لم يكن بإرادة المجتمع السعودي وبسببه.. بل كان بسبب توجيه لم يترك فسحة للاختلاف.. لهذا فإن خفوت بل انطفاء الإبداع في مجالي المسرح والسينما هو انطفاء قسري.. وذلك ما يفسرحالة الهذيان الكبير عن المسرح في الأدبيات والكتابات السعودية مع أنه ليس لدينا مسرح.. وهذه الحالة ليست بمستغربة على المجتمعات الإنسانية.. فقد قيل: إن كلمة (الحرية) كانت الكلمة الطاغية في كتابات وأعمال المثقفين السوفييت إبان الحقبة الستالينية.
دعونا أولاً نتفق على أن المقارنة تكون مع ما سبق.. لا مع ما يمكن أن يكون.. فهذه أمنية أو توقع أو طموح لكنها ليست مقارنة.. كما أن مقارنة الثقافات تكون من خلال النتائج.. أما مقارنة المجتمعات فتقاس من خلال المقارنة مع المحيط قبل البعيد.. وحينما نعقد المقارنة بين النتاج الثقافي السعودي اليوم والنتاج في الأعوام السابقة فإنه اليوم بلا شك أكثر عدداً وضخامة وتفاعلاً وتنوعاً وعمقاً وجودة.
وإذا اتفقنا على أن الفعل الثقافي في مختلف مجالاته يقاس بنوعيته وبتأثيره.. فنحن اليوم أفضل حالاً في المجالات كافة ومنها الثقافة.. فالحركة الثقافية السعودية مقارنة بسابقها هي اليوم متحركة نشطة متجددة.
إذاً فالحركة الحاصلة حالياً في المجال الثقافي السعودي مبشرة.. ولعل تزامنها مع بداية الطفرة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا هذه الأيام.. يجعل من إمكانية نجاح هذا النشاط والوصول بالثقافة السعودية ومعها العربية إلى قامات أعلى وأرفع أمراً ممكناً بل وحتمياً.. وإذا عرفنا أن نصف إنتاج العرب الثقافي هو سعودي.. وأن كل ما ينشر بالعربية يستهدف أولاً السوق السعودية والقارئ السعودي لوثقنا أننا في موقع قيادة الثقافة العربية حالياً.. وهذا ينفي عن الثقافة السعودية أن تكون ظاهرة صوتية.