Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/03/2009 G Issue 13312
الثلاثاء 13 ربيع الأول 1430   العدد  13312

دفق قلم
العالم يجر عباءَةَ الانحدار
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

كنت في زيارة لإحدى المدن العربية الشهيرة، فوجدتها في حالةٍ من الخمول، والفراغ لم أعهدها فيها من قبل، وشعرت أن معاناتها الاقتصادية كبيرة وإن كانت أضواؤها اللامعة توحي بغير ذلك، وحينما قارنتُ بينها وبين الصورة الماضية المفعمة بالحركة والحيوية، بل وباللهاث الذي لا ينقطع، وبالركض الذي كان علامة بارزة لها بين المدن التجارية الكبرى، وجدت فرقاً هائلاً بين الصورتين.

وحينما نظرت إلى صورة العالم كله بدوله الكبرى والصغرى، وبتجارته العريضة، وبريقه الأخاذ، رأيت المعاناة الاقتصادية الخطيرة نفسها ولكن بصورة أوسع وأضخم، وما تلك المدينة العربية التي بدأ بريقها يخبو إلا صورة مصغّرة لذلك العالم المنكوب.

المنكوب؟ أليس في هذه العبارة شيءٌ من المبالغة؟

كلا أيها السائل العزيز، إنها تعبير دقيق عن حالة العالم الذي أقام مدنيته الكبرى على معصية الله، وأحلَّ ما حرَّم الله من الرِّبا، والرشوة، وغسيل الأموال، والتجارة في الأعراض والمحرَّمات المدمرة لحياة الإنسان، وأحلَّ بقوته العسكرية دماء الأبرياء، واغتصاب أراضيهم.

نعم، إنه عالم متطور جداً، ولكنه منكوب جداً، لأنه لم يراع ما شرع الله، ولم يشكر ربَّه الذي (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وظنَّ واهماً أنه يملك القوة بيده، وأنه قادر على فعل كل شيءٍ، وهنا مَكْمَنُ النكبة، وبؤرة الانحدار والانهيار.

سياسات عالمية ظالمة غاشمة، وحروب تقوم على الهوى ومصلحة فئةٍ قليلة على حساب مصالح العالم كله، وإعلامٌ يضرب الفضيلة في صميمها، ويجعلها هدفاً لسهام انحرافه وضلاله، ومراكز ثقافيَّة جعلت من الإلحاد والانحراف الفكري والعقدي منهجاً لها فأخذت تسخرُ بالأديان والأنبياء والرسل والمصلحين، وتنال من أعراضهم، وتحطّم القيم التي نادوا بها، واتفاقات دولية كبرى فيها غش للشعوب، وتضليل لعامّة الناس، وتشويه للحقائق.

عالم يظهر بهذه الصورة (البشعة) أليس جديرا بالنكبة؟

ربما يقول قائل: لماذا تتجاهل الخير الموجود في هذا العالم؟ وتتناسى ما فيه من مشروعات تنشر الخير وتدعو إلى الحق؟

وأقول: لا مكانَ لتجاهل ذلك في إطار رؤيتنا الإسلامية الصافية، ولا في إطار العقل السليم، ولكننا نتحدث عن الصورة البارزة لهذا العالم المنكوب، الصورة التي تستحق عقاباً من الله وفق سنن الله الكونيّة المعروفة التي لا تختلّ ولا تختلف، الصورة التي اتسعت فيها دائرة الحرام وضاقت دائرة الحلال، واستخدم فيها المنحرفون عن الطريق المستقيم وسائل تشويه الحق ومحاربة الخير جميعها حتى يصلوا إلى ما يريدون.

إن تلك الصورة الباهتة لتلك المدينة العربية الشهيرة هي الصورة ذاتها لتلك الدول الكبرى التي تهاوى اقتصادها بصورة مرعبة وما يزال يتهاوى، صورة - أمريكا - مثلاً - التي تحمل لواء التعالي والتكبّر والتسلّط في العالم كله، وقد فقد مئات الآلاف من مواطنيها وظائفهم، وفي الطريق أعداد هائلة أخرى ستفقد وظائفها، وتهاوت بنوك كبرى أفلست على مرأى العالم كله ومسمعه، وهي صورة واحدة من عشرات الصور لدول كبرى أخرى تسلك طريقها إلى (النكبة) بامتياز.

العالم - أيها الأحبة - يبحر نحو النكبة، ويجر عباءة الانحدار، وعندنا نحن المسلمين من القيم الدينية والخلقية، والأسس الاقتصادية ما يمكن أن يخفف من الوطأة عنَّا، ويجعل بلادنا الإسلامية العربية أكثر أماناً واستقراراً، وإنها لأمانة عظيمة في الأعناق، سنكون إذا رعيناها بمأمن - إن شاء الله - من جرِّ عباءة الانحدار.

إشارة:

كثر الزِّيْفُ في زماني ولكنْ

لا يبالي مَنْ دِرْعُه الإيمانُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد