الرياض - خاص ب(الجزيرة)
يحتاج واقع المسلمين إلى تغيير لتجاوز حالة التخلف والتراجع الحضاري التي يعيشها، ومواجهة الأزمات التي يمر بها، فإن هناك سنناً للتغيير والخروج من الأزمة انطلاقاً من قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فالتغيير على مستوى المجتمع لا بد أن يبدأ أولاً بالتغير على مستوى الأفراد، وهذا التغيير يرتبط بسنة أخرى هي سنة السعي التي يعبر عنها قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، بمعنى أن الإنسان لا يحصل أمراً إلا بناءً على الكد والعمل.
كيف للمسلم أن يطبق السنن الإلهية في حياته لمواجهة الابتلاءات والأزمات؟ وكيف يستطيع أن يخرج منها؟ للإجابة على هذا السؤال كان لنا لقاء مع المتخصصين في الدراسات الإسلامية.. فماذا يقولون؟!
تغيير حالة الأمة
يقول الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الهليل، وكيل كلية أصول الدين بالرياض: إن الناظر في واقع المسلمين اليوم يشعر بالحزن والأسى لما يراه من حالة التأخر عن تولي زمام الأمور والصدارة التي كانت تحتلها الأمة، فيما مضى من عصورها المتألقة؛ حيث كانت الحضارة الإسلامية هي الرائدة في تلك الأزمان، وقدمت النماء والعطاء في شتى المجالات العلمية والحضارية للأمم جميعاً، فكانت الأمة الإسلامية في تلك العصور مشعل نور وراية سلام تخفق في كل أنحاء المعمورة، بما تحمله من قيم ومبادئ إسلامية عالية، مما جعل كثيراً من شعوب الأرض في تلك الأزمان يدخلون في دين الإسلام طواعية ورغبة ومحبة بعد أن سادت أخلاق المسلمين وتعاملهم الراقي مع تلك الشعوب.
ولما تخلى بعض المسلمين عن التمسك بأهداب الدين، واستعاض بعضهم عنه ببعض المبادئ المخالفة حلت الفرقة بين المسلمين واستطاع العدو أن ينفذ مخططاته الهدامة بين البلدان الإسلامية، وذلك عبر عدد كبير من البرامج والوسائل المتعددة التي تؤدي إلى فرقة المسلمين وتنازعهم وإشاعة الفوضى بينهم.
المعين الصافي
ويؤكد د. الهليل أن ما يعيشه المجتمع المسلم اليوم من تخلف في بعض الميادين كان نتيجة حتمية لما لواقع الفرقة والنزاع بين أتباع الملة الواحدة، ولا سبيل إلى العودة إلى أمجاد الأمة إلا بالرجوع إلى كتاب ربها وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم- متمثلة في ذلك شريعة الإسلام التي رضيها الله تعالى دينا للبشر، وبدون الاتفاق والرجوع إلى المعين الصافي، فلن تتمكن الأمة من لم جراحها والصمود أما العدو المتربص للفرص السانحة هنا وهناك.
تطبيق السنن الإلهية
أما الأستاذة سارة بنت حسين الدخيل عضو لجنة التحكيم بمسابقة الأمير سلمان القرآنية فقالت: إن المتلمس لواقع المسلمين يجد أن مجتمعاتهم تواجه كثيراً من الأزمات وحالات من التخلف والتراجع الحضاري، ولابد من تطبيق السنن الإلهية لمواجهة الأزمات، لأن هذه السنن الإلهية تكون في الآفاق والأنفس والأمم وهي الطريقة الإلهية القويمة التي تبدو في نظام الكون المحكم والأمم والتجمعات البشرية والإنسان.
فمن سنن الله تعالى أن أمد الإنسان بدواعي الخير كما أمده بدواعي الشر وسن له سنة الاختيار، {وَهَدَينَاهُ النَجدَين} وحبب له وأوصاه باتباع الخير، والإنسان بحكم سنة الاختيار إذا اتبع السنن التشريعية التي سنها الله له انسجم معها وزاد نفعاً للإنسانية. أما إذا غلبت دواعي الشر أصاب العالم بالفساد وهذا ما نجده حولنا من تلوث حضاري والذي سببته الحضارة المادية البعيدة عن السنن التشريعية والبعيدة عن منهج الله في الأرض فنتج عنه التلوث الخُلقي والبيئي.
ومن السنن التي استنها لنا ربنا سنة التغيير ولا سبيل للخروج من الأزمات إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وذلك عن طريق نهج سنة التغيير، {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ولا يأتي هذا التغير إلا أن يبدأ الفرد بتغيير نفسه ثم أسرته ثم مجتمعه، وهذا التغيير يتطلب جهداً وكداً وسعياً حتى يكون نموذجاً لشخصية إيمانية قوية ساعية للخير مؤثرة في الغير.
ومما لابد منه إحياء سنة جهاد النفس للوصول إلى الأهداف المنشودة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ولكي نحصل على التغيير المنشود وجهاد النفس يجب على الفرد أن يكون طالباً للعلم الشرعي مبتغياً بذلك وجه الله تعالى خالصاً {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ولزوم جماعة المسلمين من خلال ذلك، {يَدُ الله مَع الجَمَاعَة} والتمسك بمصادر التشريع وتطبيق شرع الله في الحياة الدينية والعملية (تمثيل الطاعات واجتناب المعاصي) لارتباط السلوكيات بالأحداث الكونية وتطبيق سنة التمكين.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} كما يجب على الفرد خلال التغيير ألا يفصل الدين عن الحياة أثناء المجاهدة، والتغيير يتوجب على الفرد الإصلاح والسعي إلى تغيير ما حوله مطبقاً قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}، وهذا باستخدام الأسلوب الجيد والحكمة والموعظة الحسنة متبعاً لقوله تعالى:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.