من حق الإنسان أن يجالس ويتكلم ويفعل ما يشاء، ولكن هذه الخطوات ليست على إطلاقها، فالصواب في أن نجالس من أمرنا الله بمجالسته ونبتعد عمن أمرنا الله عز وجل بالابتعاد عنه، ونهجر من أمرنا الله بهجرانه ونقبل على من أمرنا الله بالإقبال عليه. فمما لا شك فيه أن الجلساء يؤثر بعضهم في بعض ويأخذ بعضهم من خصال بعض ويعمل بعضهم كعمل بعض إلا من رحم ربي. وفي هذا الإطار فإن من أحب أصحاب السوء فهو معهم، ومن أحب أصحاب الخير فهو معهم في الجنة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة). فكم من جليس سوء قاد إلى المعصية والآثام والشرور وجعل جليسه أسيراً لكل هذا ويسير بهذا الطريق مجرداً من المبادئ والأخلاق والقيم، وكم من صاحب سوء أدخل جليسه السجن وأبعده عن ربه وأهله وحريته، لأن جلساء السوء يزينون الباطل ويحببونه فيهم لأنهم من من أتباع الشيطان.
وهنا أريد أن أؤكد على أن تكون صاحب كلمة وصاحب مبدأ ورأي وقرار ولا تنجرف إلا للحق ولا تجامل على حساب دينك ونفسك وأهلك، ولا تقول كلمة (نعم) أو كلمة (لا) إلا في الموقع المناسب، بل استخدم كلمة (لا) في موقعها الصحيح الذي أمرك الله به لأن جليس السوء يخذلك ويتخلى عنك في أشد المواطن التي تحتاجه فيها، قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. فأهل الغواية والضلال يحبون لجلسائهم الغواية والضلال حتى يكونوا أمثالهم، فإن الناس كأسراب القطا مجبولون على التشبه ببعضهم البعض ولذلك كثير من أهل المنكر يحبون أن يوافقهم جليسهم على ما هم فيه ويبغضون من لا يوافقهم ويحسدونه إذا كان في خير، ولهذا يؤمر المؤمنون أن يقابلوا السيئات بضدها من الحسنات فيؤمر المؤمن بأن يصالح نفسه بفعل الحسنات وترك السيئات.
كما أن جليس السوء يقابلك بوجه ومن خلفك بوجه آخر، يثني عليك في وجهك ويطعن فيك من وراء ظهرك، فاحذر أخي لأن جليس السوء يذكر بالمعاصي والذنوب و(الصاحب ساحب) كما قيل، فإما أن يسحبك إلى الخير وإما أن يسحبك إلى الشر. ولقد أمر الله عز وجل بمجالسة الصالحين والتقرب منهم، فهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، ولأن مجالس الذكر لها فضل كبير منها يبتعد الإنسان عن الغيبة والنميمة والأمور التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى، ومنها أنها تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة وتتنزل عليها السكينة قال الرسول صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب)، فالذي يحب أصحاب السوء فهو معهم، وأما من أحب أصحاب الخير فهو معهم، فأنت مع من أحببت، فخير قدوة للصديق الصديق أو بكر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أن الجليس الصالح يحثك على أعمال البر والإحسان ويذكرك ببر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء وينمي فيك مكارم الأخلاق من صدق الحديث وقول الحق ويحزن لفراقك ويسأل عنك ويتفقد أحوالك ويرشدك إلى الصواب، والجليس الصالح يعين صاحبه على ذكر الله عز وجل وعلى طاعته، وجلساء الخير والصلاح يعرفونك بالصالحين ويجمعونك به ويدلونك عليهم، ومجالس الصالحين فيها شرف لمن جالسهم والشيطان يرهب مجالس الصالحين ويخشاها.
فالخيار أخي بيدك أنت لمصاحبة الأخيار الصالحين الذين يعينونك على أمور الدنيا والآخرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فينظر أحدكم من يخالل). أسأل الله تعالى أن نحسن الاختيار في كل الأمور.
مرشد علاج الإدمان