الرياض - خاص بـ(الجزيرة)
قال الدكتور توفيق بن محمد علوان أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض, واستشاري جراحة الأوعية الدموية بجامعة الإسكندرية, وأستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: إن العالم الإسلامي يعيش في غفلة عن الإعجاز العلمي في كتاب الله, والذي لو تم توظيفه التوظيف الصحيح لقدمنا خدمة كبيرة لديننا. وطالب الدكتور علوان بإقامة المعارض وتنظيم الندوات والمحاضرات واللقاءات التي تعرف الناس بهذا الإعجاز, والعمل على تلاقي قادة الفكر في الغرب من المنصفين وعرض هذه الحقائق القرآنية عليهم. جاء ذلك في حوار مع الدكتور توفيق علوان، وفيما يلي نصه:
* كل آية من آيات كتاب الله الكريم بل كل لفظ من ألفاظه ينطق بالإعجاز.. فكيف يمكن أن يوظفه علماء الأمة المختصون في خدمة الإسلام والمسلمين؟
- كل آية من كتاب الله تعالى بل كل حرف فيه هو معجزة تامة متكاملة ناطقة بأنه كلام الله تعالى الذي يتفضل على سائر الكلام بفضل الله تعالى على سائر خلقه، عز وجل. وفي مقابلة في أحد مؤتمرات الإعجاز العلمي مع واحد من كبار علماء علم الأجنة وهو البروفيسور (مارشال جونسون) أستاذ ورئيس قسم الأجنة في فلادلفيا بأمريكا قال وهو مذهول من حجم المعجزات القرآنية المترامية في علم الأجنة: (لو كانت هذه المعجزات في أحد كتبنا لأقمنا الدنيا ولم نقعدها, ولكنكم أيها الشرقيون في غاية الزهد في الكنوز الكثيرة التي تحت أيديكم), وبهذه العبارة المختصرة جسَّد هذا العالم المأساة التي يعيشها العالم الإسلامي الذي يعج بالثروات والكنوز المادية والروحية, غير أنه في غفلة كاملة عن وسائل توظيفها لتكون نوراً مبيناً وسلاحاً ماضياً في المواجهة الحضارية المفروضة على أمتنا, ويمكننا إبراز هذه الكنوز الكثيرة عن طريق تعليم الجيل الجديد هذا القدر من المعجزات العلمية في القرآن الكريم وربط ذلك بالعلوم الحياتية المصيرية التي لا بدَّ للأمة منها كالعلوم التجريبية في الطب والكيمياء والفيزياء والهندسة والفلك؛ فيخرج جيل فريد مؤمن غاية الإيمان بكتاب الله وواقف وقوفاً راسخاً على أحدث المعارف والعلوم العصرية, وهذه هي التجارة الكبرى التي نعدها للأجيال القادمة؛ لأنه بهؤلاء الشباب سوف تعود الأمور إلى نصابها ويعود إلى الأمة مجدها, كذلك يمكن عرض هذا الدين بهذا الوجه النوراني الإعجازي العلمي في كل المحافل الدولية للجواب المسكت على دعاوى وترهات وتخبطات وأوهام الذين يقلبون الأمور ويريدون الفتن ويصورون الإسلام على أنه دين دمار وتخلف وجهالة, وأن اللجوء إلى الجدل العقيم والحجج الكلامية لا يفيد إلا بالأدلة الدامغة التي تقمع كل أفاك أثيم وهي هذا الوجه العلمي للقرآن الكريم ومعجزاته, كذلك يمكن توظيف هذه المعجزات لدعوة أئمة العلماء وأكابرهم في الغرب إلى الإسلام باللغة التي يفهمونها فإن الله تعالى يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإن إسلام هؤلاء هو حجة بالغة على أقوامهم الذين يؤمنون بهم وبمنجزاتهم إيمان قوم فرعون بسحرة فرعون؛ فكما كان إيمان السحرة حجة من الله على جميع الناس في زمنهم, كذلك يكون إيمان هؤلاء العلماء الكبار والمكتشفين في عالم الفضاء والطب والهندسة وغيرها هو حجة تامة على العالمين, وبحمد الله تعالى قد أسلم عدد كبير منهم بمجرد علمهم بهذه المعجزات العلمية في القرآن الكريم, كذلك يمكن توظيف هذه المعجزات في الكتاب والسنة في تحويلهما، وبخاصة في مجال الطب والتقنية إلى مشروعات حقيقية للتنمية والاختراع وإقامة المشروعات الصيدلية والطبية بناءً على الوصايا العظام التي أرشد إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجال الطب وسائر مجالات الحياة.
* في ظل موجة التشكيك في الإسلام والهجوم عليه من جانب بعض رجال الدين والكتاب في الغرب.. كيف نوظف التفسير العلمي للقرآن الكريم لنشر دعوة الإسلام وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة تجاه القرآن الكريم وسنة نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم -؟
- يمكن عقد المؤتمرات المتتابعة والمعارض المتنوعة للمعجزات العلمية في القرآن والسنة, فإنها وسيلة لتلاقي قادة الفكر والعلم في الغرب وعرض الإسلام بوجهه المشرق عليهم، وهذه وسيلة نافذة لتغيير المفاهيم المغلوطة التي يروج لها في الغرب قوم عندهم غاية الحقد والتعصب ضد الإسلام بحيث عميت عيونهم عن رؤية أي خير فيه, وكذلك استخدام الشبكة العنكبوتية من وجهين، وجه في المواقع الإسلامية التي تعرض الإسلام من جوانبه المختلفة فتخصص نوافذ لدعوة الآخرين, ووجه آخر بالمشاركات في المواقع غير الإسلامية خاصة تلك المعنية بتشويه صورة الإسلام للرد والجواب والبيان والتفنيد طالما سنحت الفرصة لذلك؛ لأن ذلك له الأثر الكبير, وأيضاً على مستوى الفضائيات وبنفس الطريقة؛ فالفضائيات المسلمة عليها التركيز على هذا الجانب العلمي في القرآن؛ لأنه الجانب الذي يفهم العالم غير الإسلامي بل الشباب من العالم الإسلامي, وأيضاً المشاركات في الفضائيات غير الإسلامية والظهور فيها بكل وسيلة لإظهار هذا الوجه العصري للقرآن الكريم.
* في حلبة الصراع الحضاري بين الغرب والعالم الإسلامي نرى الغربيين يحققون كل يوم طفرات علمية ونهضة تكنولوجية مذهلة, وفي المقابل نرى المسلمين يستهلكون الوقت والجهد في الحديث عن أمجاد الماضي, فكيف ترون الصورة الآن؟
- الحقيقة أن بكاء المسلمين على الماضى لم يفدهم بل جعلهم محل سخرية من أعدائهم واستهانة بهم واحتقار لهم ولدموعهم بل هذا ما يحسه كل عاقل؛ فليس بالبكاء تعود الأمجاد, وإن الفتى من يقول هذه فعالي وهذا جهدي, لا ذلك الذي يقول هذا ما فعله آبائي وأجدادي. إن القرآن الكريم قد علمنا تذليل الصعاب والخوض في بناء المستقبل, ووعدنا بالتمكين, وقرر دون هوادة أنه أنزل هذا الدين ليظهره على الدين كله؛ أي ليكون قائدنا للعالمين, كما علمنا تذليل الصعاب واستعذاب الآلام في سبيل تحقيق هذه الريادة على العالم؛ فيجب التركيز الشديد في التربية والتعليم وفي كل الأدبيات الإسلامية اليوم على الحاجة الملحة لمواكبة هذا العصر الذي يصطرع بالظفر والناب, وعلى قدرة الإسلام على هذه المواجهة الحضارية. إن ما يفعله الغرب من تحقيق الطفرات العلمية لم يحدث بأمر غامض ولا خاف, إنها المبادئ الكبار التي علمنا إياها الإسلام, في نبذ التقليد والترفع عن الوقوف في المؤخرة, والرغبة الحميمة في المنافسة والمغالبة والانتصار, والتصميم الذي لا تراجع فيه على بلوغ أقصى الغايات. وقد وعى المسلمون الأوائل هذه الدفعات من الأسس والركائز, فجابوا الفلك والطب والصيدلة في عصر خيَّم عليه الجهل التام, فلا بدَّ أن يكون هؤلاء قدوة لنا، لا لأننا نرجع ونعيش على ذكريات ماضيهم, بل لأننا يجب أن نكون كمثلهم, ونحن - بحمد الله - نملك العقول الإسلامية الجبارة والثروات العقلية والفكرية. ومن عجب أن أكثر الطفرات العلمية الغربية إنما شارك فيها بل قام ببعضها علماء مسلمون قلباً وجسداً وروحاً ودماً، ومنهم مَن حصل على أعلى الجوائز العلمية على وجه الأرض، ومنهم مَن توسَّد أعظم برامج الفضاء وأكثرها طموحاً, ومنهم مَن كانوا قادة في مجالاتهم.. هذه الزهور اليانعة التي طردت من أرض الإسلام فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج في أرض الكفر؛ لأنها لم تجد المناخ والطقس والتربة الملائمة لعبقريتها, يجب أن نوفر المناخ المناسب الذي يحتضن المواهب الإسلامية والعبقريات المسلمة سواء في التعليم أو المعاونة على صقل المواهب أو الإجراءات وفسح المجالات.. إنها مأساة نظام بكامله يضع العقبات والقيود أمام العقول والمواهب المتحرقة لخدمة إسلامها ودينها، فلما لم تجد من يقوم بذلك في بلادها هاجرت كالطيور المهاجرة لتنشئ حضارة الغرب الذي يتباهى على المسلمين اليوم بذلك، وهي بضاعتنا، سواء من المبادئ الكبار التي أرشد إليها القرآن, أو من العقول الكبار التي هاجرت من بلادنا.
* على الرغم من التحذيرات المتكررة للعلماء من استغلال القرآن الكريم في الأساليب المتنوعة للدجل والشعوذة فإن أدعياء علاج الأمراض المستعصية بالقرآن الكريم ينتشرون في كل أرجاء العالم, كيف يمكن أن نسهم في كشف الأدعياء وتحذير الناس منهم؟
- قال الإمام السيوطي في كتاب إعجاز القرآن: (الحمد لله الذي جعل معجزة هذه الأمة معجزة عقلية علمية لتوقدها وذكائها وجعل معجزات الأمم السابقة حسية وذلك لبلادتهم وجهالتهم)، فمن هذا القول المختصر نعلم أن القرآن إنما جاء ليخاطب العقلاء الواعين, فحيثما كان هناك عاقل كان هناك الإيمان بهذا الكتاب وأن لجوء البعض إلى الشعوذة والدجل بادعاء شفاء الأمراض وغيرها إنما مكنه من ذلك عدم قيام أهل الحق بواجبهم على الوجه الأكمل, ويمكن ببساطة عرض الطريقة القرآنية في الخطاب حيث رفض الاستجابة للكافرين حين طلبوا المعجزات الحية كسائر الأمم؛ لأنه كان يؤسس لأمة مختلفة المنهج ومختلفة الطريق لا تؤمن بالخرافات ولا تستكين للجهالات, إنما هي أمة يقظة ذكية تؤمن بالبرهان وبالحجة وبالتفكر والتدبر, أمة تقود العالم عن وعي, ولا تختبئ في الغرف المظلمة وراء العقول المظلمة التي تقوم بالتهويمات والدجل والخرافات, والتي لا ينساق وراءها إلا مَن لا عقل له ولا دين له ولا روح له. إن القرآن هو الروح التي تسري في جنبات العالم فتدب فيه الحياة بأمر الله تعالى وشرعه النوراني المهيب, وبسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي خط طريقاً جديداً بالنهي عن الشعوذة والخرافة ودعوة الناس إلى الحق المبين؛ فالتركيز على هذه المعاني يمكن أن يسهم - بحمد الله تعالى - في عودة الناس إلى الصواب وإلى الجادة.
* هل تتفقون مع ما يقوله البعض من أن حقائق القرآن الكريم الكونية لم يدركها العلماء إلا في القرن العشرين.. ولماذا؟
- نعم بعض الحقائق العلمية الباهرة التي ذكرها القرآن الكريم لم يتم اكتشافها ومعرفة حقيقتها إلا بعد الصعود إلى الفضاء والغوص في أعماق البحار, والنظر في ظلمات الأرحام, والتوغل في عالم الحشرات, كل الآيات التي جاءت في هذه الموضوعات في القرآن الكريم إنما فجرت فجأة بحراً هادراً من المعجزات العلمية في كل مجالاتها، وإذا أردنا استقصاء هذه المعجزات سيطول بنا الأمر جداً حيث هناك الأمثلة المذهلة لمعجزات لا حصر لها في الفضاء والسماء والأرض والجبال والبحار والإنسان والحيوان بما انعقدت له الألسنة وخرَّ سحرة العلم الحديث له سجداً وبكياً, وهو مصداق لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.