لم يكن مهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة مجاملاً عندما وصف المملكة العربية السعودية بقوله: (إنها دولة تملك كل المقومات لتكون قوة عالمية.. والعالم الإسلامي بحاجة إلى تلك القوة).. وقوله هذا تغلفه الدبلوماسية.. وإذا أردنا أن نورد القول بواقعية فإن المملكة هي عملاق نائم ولو استيقظ لحفظ لنفسه مكاناً متميزاً في مقدمة الدول.
وتعددت أسباب ذلك النوم العميق الذي يملأ جفون هذا العملاق، ولكن سبباً واحداً يظل هو المحور العام الذي تدور حوله باقي الأسباب، وهو التعليم.
في دراسة أعدها مكتب التربية العربي لدول الخليج.. نبّه فيها إلى مخاطر النزعة اللفظية التلقينية في التربية الخليجية.. كما نبّه إلى سيطرة المواد التراثية على مناهج التربية.. حيث أكد أن المناهج الخليجية تكرس تقريباً (41.000) حصة دراسية للمواد التراثية (دين، لغة، تاريخ).. في حين تكرس لتدريس العلوم (19.000) حصة.. وذلك خلال العشرة أعوام الأولى من التعليم العام (انتهى).
دراسة مكتب التربية تشير إلى مشكلة رئيسية تتمثل في تخصيص وقتٍ كبير لدراسة علوم تخاطب الوجدان أكثر مما تخاطب الحياة.. أما المشكلة الأخرى فهي أنه رغم هذا الكم الكبير من حصص الدروس اللفظية في مناهج التعليم العربية إلا أنها لم تثمر عن تفوق في تلك المواد.. بل إن النتاج الحاصل هو في مجمله ضعيف والدليل الضعف العام لدى كافة الطلبة العرب في الخط والإملاء والقراءة.. بل إن الصفة التي وُصِم بها العرب في العصر الحديث هي أنهم أمة لا تقرأ.
دراسة مكتب التربية طرحت المثال الرقمي الذي لا يحتمل الجدل في وجود مشكلة.. أما المثال الثاني فهو فكري نظري بلا أرقام.. يقرر واقعاً نلمسه دون أن نحسبه بالأرقام والإحصاءات.. فمن المتفق عليه أن تنوع مصادر الثقافة والمعرفة مظهر صحي وإضافة عقلية هامة لأي مجتمع.. فمن خلالها يتمكن العقل من عقد المقارنة ومقادحة الفكر وتوسيع التجربة.. لذلك فإنّ الاستمرار في قرار منع السعوديين من تعليم أبنائهم في المدارس الأجنبية في المملكة قرار غير صائب.. نعم إن الاجتهاد الأول الذي بني عليه قرار المنع كان مصدره الخوف من تلوث أفكار أبنائنا ومن ثم ابتعادهم عن هويتنا.. لكن التجربة علمتنا وبشكل واضح أن هذا الخوف ليس في مكانه.. ذلك أن تجربة المملكة العظيمة خلال مرحلة السبعينات الميلادية حينما ابتعثت عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين إلى خارج المملكة كانت النتيجة رائعة.. فما الذي يخيفنا إذن في أن نسمح لمن يرغب في تعليم ابنه في مدرسة أجنبية؟ وإذا علمنا أن عدد الطلبة الذين يبدأون الدراسة في المملكة كل عام قرابة نصف مليون تلميذ.. فإن العدد المتوقع للطلبة السعوديين الراغبين في الدراسة في المدارس الأجنبية لا يتجاوز الألف.. فإننا إذن أمام نسبة متناهية الصغر تحتمل التجربة.. رغم أن تجربة الابتعاث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا خوف منه على أبنائنا.