ما كان يراد للمملكة في التسعينيات الميلادية عندما استهدفتها عناصر تنظيم القاعدة الإجرامي بعملياته الإرهابية، يراد به الآن جمهورية الباكستان الإسلامية؛ فالهدف واحد هو تدمير والقضاء على الكيانات الإسلامية المحورية والقوية التي أنشئت وأقيمت على مبدأ إحياء الدين الإسلامي وأنشئت على هدى الشريعة الإسلامية الحقيقية.
وفي عالمنا اليوم وإذا ما أردنا تصنيف الدول الإسلامية المحورية المنافحة عن العقيدة الإسلامية وبنوايا خالصة، ومن أجل خدمة الدين الإسلامي والمسلمين وقضاياهم وليس الاستفادة من هذا الدين العظيم وأتباعه الكُثُر لتحقيق مآرب سياسية وعلو عنصري؛ فإن الدول الإسلامية التي تعمل من أجل خدمة الإسلام والمسلمين يأتي في مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية مصر العربية والجمهورية التركية، وهناك دول إسلامية أخرى لها إسهامات مشهودة لخدمة الإسلام والمسلمين، إلا أن ذلك لا يقاس بما تقدمه الدول الأربعة الإسلامية الكبرى التي تتميز عن غيرها بقوة تأثيرها ونقاوة توجهاتها لخدمة العقيدة؛ ولهذا فقد تعرضت هذه الدول بالذات وبالتحديد لإشغالها عن خدمة القضايا الإسلامية، بل تعرضت جميعها لمحاولات تدمير أو تفكيكها والقضاء على أنظمتها؛ فتركيا كادت تسلخ من انتمائها وفضائها الإسلامي حينما سيطر عليها العلمانيون أكثر من ستة عقود، إلا أن الجذر الإسلامي القوي يعيدها شيئاً فشيئا للأمة الإسلامية، فتقوى به ويتقوى بها.
ومصر تهب عليها الفتن بين الحين والآخر، ولا تزال توجَّه لها المؤامرات لإشغالها عن دورها الإسلامي، في حين ابتُدع للدولتين الإسلاميتين اللتين قامتا على الشريعة الإسلامية (المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية) أسلوبٌ شيطاني بعد استهداف شباب الأمة وغسل عقولهم بأفكار مضللة وبتعبئة تلك العقول بنهج متشدد ومتطرف مغالى في فكره وسلوكه، دفعهم للخروج على الملة وولاة أمرها، فقتلوا الأبرياء واستباحوا دماء الآمنين من المسلمين والذميين وغيرهم ممن يعملون في بلاد الإسلام.
وقد دفعهم غلوهم هذا وانحرافهم عن الدين القيِّم، الذي يحث على السماحة والجدال الحسن والتعامل مع الغير بالحسنى، إلى تحويل العديد من بلدان المسلمين إلى ساحات حروب ومعارك إراقة دماء المسلمين وغيرهم. وكان هدفهم تدمير الدول الإسلامية التي يعتمد عليها المسلمون بعد الله في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.
وهكذا استُهدفت المملكة العربية السعودية وقبلها مصر العربية، إلا أن لطف الله ثم حنكة القيادات وإخلاص وتفاني أبناء المملكة ومصر وخاصة من رجال المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة جنّب هذين البلدَيْن الإسلاميَّيْن شرور أعداء الإسلام.
ومع العودة الحثيثة لتركيا إلى حياض الإسلام، تُستهدف الآن جمهورية باكستان الإسلامية، وللأسف أن السلاح الذي يستعمله أعداء الإسلام لتدمير هذا البلد الإسلامي المهم هو أبناء الإسلام ممن اعتنقوا الفكر الضال واعتمدوا الغلو والتشدد لفرض نهجهم المنحرف الذي أن لم يُعالج ويُتعامل معه بأسلوب الحكمة والحزم في آن واحد؛ فسوف تتحقق رغبة أعداء الإسلام وتفكك واحدة من أهم وأقوى الدول الإسلامية التي يجب أن يلتفت إليها من قبل القيادات الإسلامية الأخرى حتى لا نفقد دعامة قوية للإسلام النقي.
jaser@al-jazirah.com.sa