لم تكن النيابة الثانية لرئاسة مجلس الوزراء فضلةً ولا مرتجلة، والنظر إليها من زواياها المتعددة تُرْجع البصر، وقد استفاض بالمؤكدات على أهميتها، إذ هي تمسك بطرفي (الدولة) و(الحكومة) بوصفهما مصدر التشريع والتنفيذ، والأمن المنشود...
|
....لم يعد الأمن من الخوف على الضرورات الخمس وحده، فالأمن السيادي والسياسي وتفادي الفراغات الدستورية من أهم مقاصد الدولة الحديثة، وتوظيف الخبرات واستغلالها وتجهيز الاحتياطات من أولويات الدولة الناصحة لله ولرسوله ولأئمة الناس وعامتهم، وقياس الإخلاص في أخذ الحيطة والحذر من أي عارض يستغله المتربصون في البلاد الدوائر، والكيِّس من حمل الأمانة وأداها على وجهها، وصناعة الأمن بكل أنواعه لا يقل أهمية عما سواه من مسؤوليات تجهيزية أو سيادية.
|
ومجيء المسؤولية الجديدة بكل ما تحمله من مهمات جسام منقادة لرجل بحجم نايف بن عبدالعزيز وإمكانياته ذاتاً وتجربة ومواقف يقع حيث يَدُوْكُ الناس كلَّ وقتهم عَمَّنْ يعطاها، وكأني بهم سمعوا هاتفاً يقول: ليأخذها غداً أو بعد غد رجلٌ تجتمع كلمة الأمة على أهليته وأحقيته.
|
وما كان الأمر الملكي الحكيم بتعيين سموه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء مفاجئاً ولا صدفة، كما أن ابتهاج الناس وارتياحهم لم يكن مجاملة ولا مسايرة. وضجة الفرح والتفاؤل بهذا الحجم تنبعث من خلفيات انطباعية ومعهودات ذهنية، فرجل واكب الأمة نصف قرن وعرف من أحوالها ودخائلها ما لم تتهيأ معرفته لغيره، ورجل عركته التجارب العويصة وامتحنته المواقف العصيبة لا يكون استقبال اختياره دون ما هو كائن.
|
وعندئذ فالاختيار وصداه ظاهرتان طبيعيتان، يكون أحدهما عندما يكون الآخر، ولن يكون من المتوقع تخلف أحدهما، فقيادة حكيمة تضع نصب عينيها مصلحة الأمة لن ترجئ مثل هذا القرار الأهم إلى حيث يتساءل الناس عن تأخر مثله عن وقته، وقرار حكيم يأتي على قدر لا بد أن يحمل الأمة بمختلف أطيافها على التفنن في التعبير عن المشاعر كل حسب رؤيته، والكلمة و(الكاميرا) أدقَّا راصدين للتعبير العفوي الطوعي عما تكنه المشاعر، ومهندس الأمن بصورته في الأذهان حين يبتدر مسؤوليته الجديدة بهذه الأهمية سيكون بلا شك مهندساً أبرع في حقله الجديد ورهان الناس ينطلق من شواهد إثبات لمسوها بأيديهم ورأوها رأي العين، والمسؤولية التي تلقاها باليمين سيكون الأقدر على تكوين ثقة جديدة لن تقل عما كوَّنه من ثقة سابقة تزيد مع الأيام رسوخاً وثباتاً، والناس الذين بلغت بهم الثقة والاطمئنان إلى حد النوم نوم قرير العين هانيها في جوٍّ مفعم بالمخاوف مليء بالكيد مشحون بالترصد، لن يساورهم أدنى شك في استقباله القرار الحكيم بذات الإمكانيات المعهودة لينهض بتبعاته على وجهها، ونهض مثله بمهمات تراوح بين سلطتي التشريع والتنفيذ مبعث ارتياح لمن عرفوا سموه وعرفوا فيه مقومات الرجل الحاكم من حلم وأناة ورفق ولين وتيسير وتجربة عميقة وشاملة، لقد كان من قبل ومن بعد رجل دولة ورجل مسؤولية، يعرف دخائل الأمور ومؤشراتها ويبتدر المواقف بقوة الواثق الخبير، ولأنه متمكن أمكن في ذرى المجد فقد جاءته المسؤولية الأهم ليكون معها الرجل المناسب للمكان المناسب والناس الذين أجمعوا على الابتهاج والثناء شهود الله في أرضه إذ الأمة لا تجتمع على ضلال، وبوادر التوفيق ومبشرات النجاح يجسدها تدفق المشاعر، والرأي العام لغة رقمية تقطع قول كل خطيب، وما كان لمثله أن يرقب الإجماع ولا أن يفاجأ به فهو قائم في النفوس قبل أن يتجسد في الواقع قولاً وعملاً، وإذ ذهب الناس في ضجة الفرح فإن آخرين سيستغرقهم الابتهال إلى الله بالدعاء الصادق لسموه بأن يمنحه الله الصحة والتوفيق، وأن يشد عضده بأنجال المؤسس وأحفاده والخيرة من أبناء هذا الوطن وأن يكون مباركاً أينما كان في المسؤوليات محفوفاً بعناية الله مصنوعاً على عينه محاطاً برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ناصحين لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم يعينونه على نوائب الدهر، فهو اليوم أحوج ما يكون إلى الدعاء وشد الأزر وتهيئة الأجواء الملائمة ليمارس مسؤوليته كما مارسها من قبل في أهم مرفق تنفيذي.
|
والدولة والحكومة في النهاية وجهان للمجتمع المدني الذي ينتهب الخطى للحاق بركب الحضارة الإنسانية على هدي من كتاب الله وسنة رسوله.
|
وتوخي السلامة من أية فراغات تربك المسيرة مؤشر استشراف حصيف للمستقبل وحَمْلٌ أمين وناصح للمسؤولية، وحين سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى قال له ربه: (أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) وتطلع الأمة إلى تفادي الأمور قبل وقوع أي عارض ممكن إنما هو لمجرد الاطمئنان فضلاً عن أنه تزود من الخير المندوب إليه، ولقد كانت المبادرة الاحتراسية بتشكيل (هيئة البيعة) تفادياً للفراغ الدستوري الذي أصاب دولاً كانت آمنة مطمئنة فأذاقها الله بهذا الفراغ لباس الجوع والخوف، والأمانة تقتضي استباق الأحداث، والرائد لا يكذب أهله، والأمة حين تحكم بالعدل والإحسان تفرغ لشأنها على حد:
|
(إذا أيقظتك هموم العدى |
فنبِّهْ لها عمراً ثم نم) |
وخادم الحرمين الشريفين بمبادراته الموفقة يستبق الخيرات فله ممن استرعاه الله عليهم كل الحب والإخلاص والدعاء الصادق والسمع والطاعة في المنشط والمكره، والله وحده المسؤول أن يحفظ لهذه الأمة أمنها واستقرارها وأن يكلأها بعينه التي لا تنام وبعزه الذي لا يضام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|
|