في ثقافتنا عبارات باترة، مثل عبارة: الوقت كالسيف إن لم تبتره بترك! ومع ذلك فنحن الذين نبتر الوقت، أي أننا أكثر قسوة منه، فنحن نضيعه ونهمله ونرميه وراء ظهورنا، مع أن الوقت بأجزائه موجود في كتابنا المقدس، الليل والضحى والفجر العصر، كل هذه الألفاظ موجودة في القرآن الكريم، ومع ذلك فإننا نمر بها، دون أن نأخذ من تفكيرنا كثيراً، مع أن هذا الوقت هو الذي يطعمنا ويعلمنا ويجعل لنا مكانة بين الأمم إذا أحسنا استخدامه!
ندهش من عاملة المنزل المسيحية أو البوذية أو الهندوسية، وهي تعمل في منزلك، تستيقظ مع تباشير الصباح، تقوم بأعمال المنزل كلها وأهله نيام، ولا يأتي الضحى إلا وقد أنهت أعمال النظافة وتجهيز الإفطار والملابس، وفي بعض المنازل فإن هذه العاملة لديها جدول طويل، فهي التي توقظ سيدة المنزل وتجهز إفطارها، وهي التي توقظ الأبناء واحداً واحداً ومن الجنسين، وكل واحد حسب المواعيد أو الساعة التي يريد الاستيقاظ خلالها سواء كان هؤلاء من طلبة المدارس أو الجامعات أو الموظفين، توقظهم وتضع لهم ملابس الخروج وتجهز الإفطار أو السندويتشات، وفوق ذلك كله فإن هذه العاملة لا تتمكن من الدخول إلى غرفتها لتنام إلا عند منتصف الليل، تخيل!! فقط لو أنك تعمل كالنحلة مثل هذه العاملة، كيف سيكون وضعك: عملياً ومالياً وبدنياً وفكرياً، لكنك للأسف لا تتمكن من ذلك، رغم أنك قرأت وعرفت أن الوقت كالسيف!!
هذا الذي تقوم به العاملة من عمل، أو التزام بالاستيقاظ فجراً لم تتعلمه لدينا، لكنه ميراث أتت به من بلادها ومن مدرستها ومن منزلها ومن محيطها، مهما كان هذا المحيط فقيراً وبائساً، لأن هذا الالتزام ببساطة هو الذي نقل بعض أبناء تلك الدول من الحضيض إلى القمة، فأصبح لديهم في السنوات الأخيرة طبقة من المبدعين في البرمجيات وفي الصناعة والزراعة والطب والمخترعات، هذه النقلات ثمرة من ثمار استغلال الوقت؛ فالوقت طويل، ومن الممكن لو استثمرته أن تصل إلى أكثر ما تريد من العلم والمال والراحة، لكن إذا لم تكن كذلك فإنك سوف تجد من الملهيات ما يجعل الوقت يتسرب من بين يديك مثلما يتسرب الماء من الماسورة المخرومة دون أن تدري أو تدري الماسورة التي هي عقلك وإرادتك وضعفك أمام الملهيات!
ونحن -للأسف- أكثر الناس شكوى من الفراغ والملل، مع أننا لا نعمل شيئاً نزيل به هذه الشكوى من أساسها، بحيث تتمنى - كما يتمنى المواطن الياباني أو الصيني أو الكوري- أن يكون اليوم 48 ساعة لإنجاز ما في أجنداتهم من الأعمال!
لقد قيل مرة لأحد الأثرياء: كيف وصلت إلى ما أنت عليه من ثروة وجاه؟ فقال: لأنني آتي في الوقت المناسب وأستيقظ في أي مكان أو دولة أكون فيها في الوقت نفسه الذي تعودت الاستيقاظ فيه، ولم أعرف يوماً منذ سنوات طويلة طلعت عليَّ الشمس، وأنا نائم!
وقيل لرجل أعمال آخر بعد إنهاء إجراءات التبرع بـ45% من ثروته لمؤسسات خيرية تهتم بالتأهيل العلمي والوظيفي والبيئات الفقيرة ومكافحة الأمراض، قيل له: أليس أبناؤك أولى بهذه الثروة من هؤلاء؟ فقال: لقد نحتُّ الصخر حتى وصلت إلى هذه المكانة، وأريد لأبنائي أن يقوموا بنفس الخطوة، فعندما يأتي المال دون عناء يذهب بنفس الطريقة!! كل هذه النجاحات نتائج استثمار الوقت.. فماذا يفعل به بعضنا؟!
فاكس: 012054137