أحداق الوطن مشدودة إليك.. أيها الأمير الجليل.. والآمال معقودة بما يمكن أن تتصور أن يصل إليه مداها.. وقد عهد إليك ولي الأمر.. أمانة كانت من أسمى ما عهد الله به إلى الأنبياء والرسل.. فوزارتك هي المكون الأول لكيان الوطن.. وهي لبنة الأساس في بناء حاضر ومستقبل إنسانه.. ولعلك أحسست بمهج افترت عندما أُعلن عن توليك المسئولية.. لأن مسئوليتك تمس السلطة الأولى المحركة للحياة.. (العقل- الإنسان) في مرحلة تكوينها الأساس.
** وأنت تُشاركنا بيوتنا وأطفالنا.. والفكرالذي سيرسم حاضر ومستقبل الوطن.. (العقل) الذي عُهد إليك بناء مكوناته وزرع مفاهيمه.. فهو مسير السلوك.. وهو الفاعل الذي يوجه كل مناحي الحياة.. في البيت والشارع وبيئة العمل.. في الخطابات والتعاملات وفي الرؤى والتطبيقات.
** لطالما شكونا من الحشو والتلقين.. ولطالما شكونا من القصور في إدراك (معنى التعليم وفلسفته).. والتربية وأسسها وأهدافها ومجالاتها.. ولطالما عانينا من (هاجس المدرسة).. وكيف صارت لأبنائنا فلكاً يحبسهم لساعات.. إلزامات وإكراهات وواجبات ومحفوظات.. ليست كلها غفلاً من الفائدة.. ولا خلواً من المعرفة.. ولكن (فائدتها ومعرفيتها) كانت ممزوجة بالشطط.. ومغموسة في الإفراط في مادون المهم.. واستدبار الأهم.. وأفق واضعيها.. كان ضيقاً لا يتجاوز وعي الواضعين.
** ولك أن تتصور (مفردة) منها.. تسمى (التربية الوطنية) تختزل هذا المعنى العظيم في موضوعات.. تجد فيها كل شيء.. ولا تجد فيها تربية ولا وطناً.. أُخترعت على عجل.. ودُفع بها بعشوائية.. ليصاغ من خلالها الانتماء.. وتقاس عبرها التربية.. ويحبس في نطاقها الوطن.
** (الوطنية) كما مارستها أنت وجيلك.. وجيل بعدك؛ عقيدة تؤسس الانتماء في الوجدان.. وإستراتيجية تستشرف المستقبل والتنمية.. وتؤسس لقاعدة العلم والإيجابية والفاعلية في الإنسان.. حقوقه وواجباته ودوره وأهمية مساهمته.. وعيٌ بذاته وقيمته (أولاً).. ثم بواجبه تجاه وطنه.
** ولا يسع المجال لاستعراض مفردات أخرى ترسخ الاضطراب.. وتعزز الفئوية.. وتؤصل اللاعلم.. واللامعرفة.. واللاشيء.. وتنحو باتجاه عكس الواقع.. ولا تحفل بالأولويات وسلم تراتبها في الحياة.
** (المدارس) لدينا أيها الأمير الجليل.. أبنية وشواخص صمَّاء للتلقي.. والإفادة منها لا تكاد تتجاوز مدة نصف سنة.. ثم تبقى بعد ذلك معطلة.. مع عظم الحاجة لمرافقها المساندة من ملاعب ومعامل وقاعات.. لأنها تُسير بعقلية الموظفين.. وليس المخططين التربويين.. الذين يعون التعليم بوصفه رسالة لا مهنة.. وموقفاً وقيمة لا وظيفة وإلزام.. هم ذاتهم الموظفون.. من سلالة واضعي المناهج ينتقون مفرداتها.. ويعينون أهدافها.
** التعليم - أيها الأمير الجليل صار حكراً على تصورات بعينها وأفكار بذاتها.. تريد أن تكون عقول أبنائنا وفق ما تراه.. وأن ترسخ في وجدانهم نحو ما تعده حقائق لا تقبل الجدل.. وضرورات لا مناص منها.. لقد (اتسع الخرق..) حتى بتنا نشكو (مرة) من مخرجات المناهج.. ومجافاتها للمعقول والمقبول.. بل واصطدامها أحياناً بما نسعى إلى ترسيخه من قيم.. وتقويضها تارة للشعور بالانتماء الوطني والوسطية المنشودة.. و(مرة) من اختطافها من ذوي الأفكار والأيديولوجيات والمرامي التي لا تخفاك.. ومرة -(باتجاه معاكس)- نشكو من ضعفها وتواضع محتواها وانصراف المتعلمين عنها.. ولكل ذلك أسبابه ومعطياته التي جعلتنا نلقي باللائمة في اتجاهين معاكسين..!.. لأنه ليس ثمة رؤية إستراتيجية.. يمكن أن تحكم الظواهر التي نباشرها.. والمتغيرات التي تفجؤنا كل حين.
** أيها الأمير الجليل.. تعلم يا رعاك الله كيف خطى وتدرج (مهاتير محمد) بماليزيا.. من دولة ظل.. إلى إحدى حواضر الصناعة والتنمية العالمية الأولى.. وأخصب بيئات الخبرة المعرفية والتعليمية المتطورة خلال عشرين عاماً فقط.. لأنه اتجه إلى الأساس (التعليم) فأيقظه من سباته وأعاد رسم أسسه ومنطلقاته.. في سياق تنظيمي إستراتيجي واضح المعالم.. منفتح على العالم والحياة.. ومنه بدأ رحلة بناء الدولة الجديدة والعقول الفتية.. بعيداً عن رهانات الخاسرين ومزايدات المرجفين.
** أيها الأمير الجليل.. طفق الفضلاء يهللون لوجود امرأة ذات كفاءة من بين مسانديكم.. - وهذا شيء جيد - لولا أن مطالبهم اختزلت بتأنيث الوظائف.. ...الخ وأنت تعلم أن القضية أكبر من إشكالية (تأنيث وتذكير).. فليست هذه قضية جذرية تفصل في توجه.. أو تفي باستحقاقات.. أو تعد بمخرجات يتطلع إليها الوطن من أقصاه إلى أقصاه.. لأن المُعوَّل عليه هو الكفاءة والنوعية.. والجودة والتأهيل الرصين.. وصياغة الأهداف الكبرى من منظور يبتدع جديداً يواكب العصر.. ويتناغم مع منجزات المعرفة وتحولات الواقع.. ويساير خط التنمية الناهض بما يصعد به ويسنده من مخرجات التعليم.
** وما دام الحديث في سياق التأنيث فجزء الوزارة المؤنث.. قد رانت عليه مستقرات الذهنية المجتمعية.. وصارت هي سلطته وهي حامي نفوذه.. برغم ما يعتور هذه السلطة النسائية في الإدارة التعليمية بكافة كوادرها ومستوياتها من أخطاء وإخفاقات.. وأصبحنا نقرأ ونسمع عن حالات ووقائع للمديرات والموجهات والمعلمات.. أبعد ما تكون عن الوعي الإداري الحقيقي والقيادة التربوية المثلى.. والتطبيق الفعلي لمقتضيات مسئولية التربية والتعليم.. يختلط فيها التوجه الشخصي الفكري.. بمحددات المناهج وأطر الممارسة داخل نطاق المدرسة.. فسارت بعض الاتجاهات التعليمية في مدارس البنات.. بعقليات (ربَّات البيوت).. وبالمهووسات بالسلطة.. وأحياناً بعقليات وأفكار غيبية أبعد ما تكون عن أجواء المسئولية التعليمية ومجالها.
** صاحب السمو.. الوطن كله حواس تستشرف ما سيجريه الله على يديك من مستقبل.. لمناط المستقبل وروحه وركن تنميته الركين (التعليم).. وفقك الله إلى الخير.. وسدد على طريق الهدى والنور خطاك..
Mid-2005@hotmail.com