(شباب اليوم لم يعد كشباب الأمس)، مقولة أصبح بإمكاننا الحكم عليها بأن لها نصيباً من الصحة، لما أصبحنا نشاهده من تصرفات من بعض شبابنا لا تليق بمن يعول عليهم الوطن لنهضته وتقدمه ورقيه.
لكن الصورة ليست قاتمة إلى الحد الذي يتصوره بعضهم، فثمة فريق من الشباب كسروا تلك القاعدة، فبالأمس القريب حضرت منتدى أمطار بدعوة كريمة من رئيسه الأستاذ نجيب الزامل، وكان موضوع هذا الشهر يتمحور حول الحملة التي أطلقها مجموعة من شباب كلية الطب في جامعة الملك سعود تحت عنوان (ومن أحياها)، بهدف الدعوة إلى التبرع بالأعضاء، وقد شرفت بالتعرف على هؤلاء الشبيبة النابهين المدركين لمسؤوليتهم الإنسانية الكبيرة تجاه وطنهم، وسمعت منهم ما يثلج الصدر ويسر الخاطر.. استمعت لطموحات كبيرة وجميلة.. استمعت لما يؤرقهم ويسعون ليصنعوا منه أملاً يسعدون به من حولهم.. استمعت لهم وهم يتحدثون بلهفة لانطلاقة حملتهم المباركة، ليس فقط ليصل صوتهم إلى أنحاء المملكة فقط، بل ليحملوا هذا الأمل وتلك الرسالة إلى أنحاء عالمنا العربي، ثم إلى جميع أرجاء المعمورة.
في مجتمعنا السعودي والعربي بشكل عام نعاني معاناة كبيرة من عدم استمرارية مؤسسات المجتمع المدني، وإذا استمرت فإنها لا تؤدي الرسالة التي أنشئت من أجلها على الوجه الأكمل، فتبدو نتائج عملها ضعيفة ومشوهة، في حين أن كثيراً من هذه المشاريع الإنسانية نفسها في العالم الغربي قائمة على مؤسسات المجتمع المدني، ومع ذلك فنتائجها كبيرة ومبهرة، في مفارقة تتجاوز إصابة النفس بالدهشة إلى إصابتها بالحزن.
شباب (ومن أحياها) وبدعم متوقع من رجال الأعمال في هذا الوطن المعطاء، يتوقع لحملتهم ردود فعل إيجابية كبيرة، وما ذلك إلا لهذا الحماس المبني على قناعات هؤلاء الشبيبة المدروسة، التي استفزها واقع شبه يومي يشاهدونه ويعايشونه في مستشفياتنا، ونحن أيضاً ندركه ونعي أهمية هذه الحملة، وقليل منا من لم يحتج هو أو قريب له من يتبرع له بعضو يعيد له أمل الحياة المفقود، فيكون هذا المتبرع قد أحيا نفساً، وهو شعار هذه الحملة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يباركها ويبارك جهود أبنائها الذين يحملونها على أكتافهم الشابة القوية وبأيديهم الواثقة.
لقد سررت وسر كل من حضر هذه الأمسية الإنسانية الجميلة لما سمعناه ولمسناه من حماس وقوده علم وعمل، يزينه منطق جميل لهؤلاء الأبناء أبهر الحاضرين.
ولا أجدني مبالغاً إذا قلت إن العبرات كادت تسقط فرحاً بهؤلاء الشباب الذين بحق أحيوا الأمل في وجود جيل يعي رسالته ويتحمل دوره في حياة مجتمعه وتقدم وطنه.
لقد بدأ هؤلاء الفتية الإنفاق على حملتهم مما يستقطعونه من مكافآتهم الشهرية المحدودة، ما يؤكد إصرارهم على المضي في إيصال رسالتهم لمجتمعهم أياً كانت التبعات والأعباء.
ولا أنسى إن نسيت ثناء هؤلاء الشباب على الدعم الكبير الذي لقوه من معالي مدير الجامعة الدكتور عبدالله العثمان وكذا من عميد كلية الطب وزملائه، وهذا هو الدور المنتظر منا وواجبنا تجاه هؤلاء الشباب.
تحية إكبار لهؤلاء الأبناء الكبار، وشكراً لمنتدى أمطار وأهله الكرام.
Almajd858@hotmail.com