جير تروود بيل، امرأة حديدية عاشت لتحقق أهدافاً كبيرة لأمتها في المنطقة العربية، وفي العراق على وجه الخصوص، هذه المرأة الإنجليزية المولودة في سنة 1868م كانت تملك صفات أهمها الشجاعة والدهاء، قضت حياتها بين أمة تختلف عنها عرقياً ولغة وديناً، تعمل ليل نهار للتعرف على كل صغيرة وكبيرة عن القبائل والأنساب والآثار والطبيعة والملل والنحل، إضافة إلى التعامل مع شخصيات مؤثرة في مجتمع العراق والجزيرة العربية ابتداء من سنة 1904م، وبلغ من تأثيرها أنها حددت ملامح الحكم في العراق فأدنت من تريد وأقصت من لا ترغب فيه، وضيقت على كل منافس لها من أبناء جلدتها وعلى رأسهم سانت جون فيلبي.
استرعت حياتها الحافلة بالإنجاز أنظار معاصريها ثم الدارسين للتاريخ المعاصر للمنطقة العربية فيما بعد.
واعتماداً على رسائلها الشخصية إلى والدها وزوجته في الفترة من 1904م إلى حين وفاتها في عام 1926م أعدت إليزابيث بيرغوين دراسة حافلة ترجمها وحررها وعلق عليها نمير عباس مظفر، ونشرتها المؤسسة العربية للدراسات والنشر في سنة 2002م جاءت في 654 صفحة من القطع المتوسط بعنوان: (جير تروود بيل من أوراقها الشخصية 1904 - 1926م).
احتوى الكتاب على معلومات ثرية توضح جوانب غامضة من تاريخ العراق وأجزاء من الجزيرة العربية تحدثت عنها (بيل) بشكل يمتزج بشخصيتها وهو ما دفع لورنس إلى القول عنها في رسالة بعث بها إلى والدها السير لوثيان بيل أنها (انعكاس دقيق لذاتها كانت تواقة، مهتمة، بل كادت تكون دائماً شديدة الحماس مع من حولها، وما تعيشه من أحداث يومية. كان لها نشاط وحيوية دائمان، أو كان بإمكانها على أقل تقدير، وبصرف النظر عما كان ينتابها من تعب وإرهاق، أن تثير من الاهتمام بقدر ما كان لدى زائرها. لا أظنني قد التقيت من يفوقها تمدناً في كل شيء، في إحساسها بما لديها من تعاطف فكري، وكانت مثيرة أيضاً، إذ لا يمكنك أن تدرك مدى قدرتها على الوثوب صوب اتجاه معين بدافع من أي إنسان يمتلك القدرة على جذب اهتمامها نحوه بما لديه من خبرة ومحاججة).
استطاعت إليزابيث بيرغوين أن تقدم حشداً من المعلومات استناداً على مضمون رسائل (بيل) تربط بين الأحداث وتحللها وتضيف عليها ليصبح كتابها مرجعاً ثرياً حافلاً ليظهر دقة (بيل) وعنايتها برصد كل ما شهدته، ويبين مواقفها، ويوضح أدوارها ويؤكد على هدفها النهائي وهو خدمة وطنها وتنفيذ سياسة دولتها الاستعمارية في المنطقة العربية.
تقول في إحدى رسائلها الموجهة إلى والدها:
(آه كم كنت أتمنى أن ننجح في تحقيق أهدافنا في رؤى وأحلام كثيرة، وكما تعودنا قوله بالعربية مرات عديدة كل يوم أود القول: بفضل وجود صاحب السعادة ممثل جلالة الملك وبدعم من لدن الحكومة العظمى، لابد أن يعم الخير وتسير الأمور على ما يرام إن شاء الله تعالى).
الكتاب عمل مشوق يكشف خفايا كثيرة عن العراق وأجزاء من الجزيرة العربية في الفترة من 1914 إلى 1926م ويحمد للمترجم قدرته الفائقة على نقله إلى العربية في لغة سلسلة جميلة وكأنما كتب بها أصلاً.