في الاجتماع الأخير للحلف الأطلسي كان على أجندة رؤساء الدول الأعضاء في هذا الحلف العسكري السياسي الذي يعد أكبر منظمة إقليمية سياسية عسكرية إذ ينخرط في عضويته جميع الدول الأوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية التركية التي تعد من أهم الدول التي تقدم جنوداً للحلف وتعد القوة الرابعة بعد أمريكا وبريطانيا وفرنسا.
في ذلك الاجتماع الذي عقد في مدينة ستراسبورغ المدينة الفرنسية التي يعدها الغربيون (باب سلام الغرب) لأنها تقع على الحدود مع ألمانيا التي احتلت جيوشها فرنسا، ومنها بدأ السلام في أوروبا بعد أن انطلقت الجيوش الأوروبية والأمريكية من هذه المدينة التي تحولت رمزاً للأوروبيين فجعلوها مقراً للبرلمان الأوروبي، وكرمها الغربيون فاختاروها مقراً للحلف الأطلسي، ولهذا فهذه المدينة هي بمثابة عاصمة للغرب.. هكذا ينظر إليها، وفي الاجتماع الأخير كان على طاولة رؤوساء الدول أعضاء في الأطلسي بند اختيار أمين عام للحلف جديد خلفاً للدبلوماسي الهولندي ياب ديهوب شيفر الذي سيترك منصبه في نهاية يوليو القادم، وكان أكثر المرشحين حظاً بالحصول على المنصب رئيس الوزراء الدنماركي أندرياس فوغ راسموسين الذي كان يحظى بتأييد الدول الكبرى في الحلف، خصوصاً أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومجموعة الدول الإسكندنافية، وعند طرح الاسم للتداول رسمياً، لوحت تركيا عبر رئيسها وممثلها في الاجتماع الرئيس عبدالله غول، باستعمال (الفيتو) اعتراضاً على انتخاب راسموسين بسبب رفضه الاعتذار للمسلمين، بوصفه رئيساً للحكومة الدنماركية، عن فعلة الرسوم الدنماركية المسيئة للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وبما أن اختيار أمين عام للحلف يتطلب إجماعاً من قبل الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 26 دولة، وفعلاً كاد المنصب يطير وينحى راسموسين، وأخذ رؤساء الدول يتداولون أسماء أخرى لولا تدخل الرئيس الأمريكي الذي طرح حلاً وسطاً على الطريقة الأمريكية، وهو أن يقدم راسموسين اعتذاراً للمسلمين عن فعلة الرسوم المسيئة، كما تم إرضاء تركيا بأن يتم تعيين تركيا مساعداً للأمين العام للحلف الأطلسي، وأن يكون مبعوثاً للحلف إلى أفغانستان.
هذه الصفقة التي (فرضتها) تركيا على أقوى حلف عسكري سياسي تمثل الذراع التي أرادها بوش وزبانيته من المحافظين الجدد، أعادت الاعتبار للمسلمين إلى (حد ما) فقد قدم الأمين العام الجديد للحلف الأطلسي اعتذاراً علنياً للمسلمين عن فعلة الرسوم المسيئة، كما أن وجود شخصية تركية في قيادة الحلف من شأنه أن يجنب المسلمين أذى الذراع العسكرية الغربية.
وبهذا تكون تركيا قد قدمت الخدمة الأخرى للمسلمين في أكبر محفل عسكري بعد أن دافعت عبر رئيس حكومتها رجب أوردغان عن المسلمين الفلسطينيين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي حينما تصدى بشجاعة لادعاءات وأكاذيب رئيس الكيان الإسرائيلي شيمون بيريس في منتدى دافوس.
وهكذا يتم خدمة قضايا المسلمين وليس كما يدعي الآخرون الذين يتدخلون في الشؤون الداخلية للأقطار الإسلامية فيضعفون تلك الأقطار بدلاً من أن يقووها بالدفاع عن مصالحهم وحقوقهم كما فعل الأتراك في دافوس وستراسبورغ.
jaser@al-jazirah.com.sa