يقول الشاعر (مصائب قوم عند قوم فوائد). لكل أزمة في هذه الحياة يوجد المستفيدون منها والرابحون فيها، فأزمات الحروب لها تجارها والمنتفعون منها، الكوارث الطبيعية لها المستفيدون منها والمتاجرون فيها، وكذلك كوارث الطائرات هناك من يستفيد من تلك الكارثة بشراء طائرات متضررة وكذلك شركات التأمين تستفيد من تلك الكوارث. حتى الأزمات النفسية هناك أطباء لا تقوم حياتهم دون وجود هذه الأمراض، فلولا تلك الأمراض لما استقامت حياة أولئك الأطباء. يمر العالم بأزمات متلاحقة بين الفينة والأخرى وتختلف نوعية تلك الأزمات ولكنها تتفق في المعنى الأساسي لتلك الأزمة وهي أضرار تلحق بأقوام ويستفيد منها أقوام آخرون. قد يقول قائل إن الأزمات كلها شر، وهذا الكلام مردود عليه، فحتى الأزمات على مستوى الأسر والأفراد لها وجه إيجابي، فقد يصاب مريض بمرض ليتحول ذلك المريض إلى مبدع في عالم التجارة أو الأعمال. فقصة المرأة التي سقطت من طائرة مروحية في الستينيات الميلادية ومن ثم أصيبت بشلل رباعي بقيت على إثره تتنقل على كرسي متحرك، لتحوّل تلك الأزمة إلى نجاحات متوالية من خلال تطوير هذا الكرسي وعمل المصانع والمحلات التي تسوِّق هذا الكرسي لتصبح من أكبر نساء العالم شهرة وثراء، وبالتالي فقد حوَّلت تلك الأزمة والمحنة إلى منحة. كما أن أحدهم ورث عن أبيه مزرعة مهجورة لا تعيش فيها إلا الثعابين والقنافذ، فيحولها هذا المبدع إلى مزار يلتف حوله ملايين البشر بسعر دخول رمزي، وكذلك يستحدث مصنعاً لصناعة الجلديات من جلود الثعابين ليصبح أشهر مصنع في العالم.
هكذا الأزمات تحول المبدعين إلى رجال أعمال وعناصر فاعلة وإيجابية في مجتمعاتهم، بل إن الناجحين هم الذين يخرجون من رحم الأزمات والعقبات والسقطات. يقول لي أحد التجار إن تلك الأزمة التي يمر بها العالم في وقتنا الحاضر (هي أزمة الكبار) وأزمة البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة والمصانع وصناعة السيارات والشركات العملاقة، فهي أزمة الكبار، وأن الصغير هنا هو بمنأى ولو بشكل نسبي عن هذه الأزمة، فيبقى الصغير يعمل وفي نهاية الشهر يقبض مرتبه بعيداً عن آثار تلك الأزمة. هذا ما يقول صاحبنا رجل الأعمال، وإن كنت اتفق معه بجزئية واختلف معه بجزئية أخرى، فالصغير حتماً سيتأثر بتداعيات تلك الأزمة، فما تسريح العاملين والموظفين من كبرى الشركات إلا دلالة واضحة على تأثر الصغير والكبير، ولكنها أتت على الكبير بشكل موجع. فهذا صحيح، الأزمات أيها السادة ليس كلها شر، فكما ذكرت آنفاً للأزمة وجه مشرق، فمن الأزمات نتعرف على أخطائنا وبالأزمات نراجع حساباتنا، وبالأزمات نعيد ترتيب أوراقنا وبالأزمات كذلك نعود إلى خالقنا وبارئنا. أحدهم مرَّ بأزمة نفسية وهو من الجنسية الأمريكية وأصبح لديه أعظم وأكفأ المستشفيات النفسية في العالم، وأحدهم لا يوفق في دراسته ويشارك بأعظم الجامعات الخاصة في العالم، وأحدهم يترك الجامعة ليصبح أشهر رجل في التقنية وأجهزة الحاسوب. ليست الأزمات مقياساً حقيقياً للتراجعات أو السقطات بل قد تكون هي معياراً حقيقياً للنجاحات والفوز بأعلى الدرجات. معظم العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي ألّفوا وكتبوا معظم كتبهم الدينية والفقهية والأدبية في السجون. دعوة رسول الهدى خرجت من رحم المعاناة والتضييق والمحاربة والقتل والتعذيب لتنطلق في آفاق العالم خيراً وهدى ورحمة. وغني عن القول هنا أن هناك أزمات على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي وكذلك على مستوى الأوطان، وأيضاً هناك أزمات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
ويعرف العلماء الأزمات بأنها (تهديد خطر أو غير متوقع لأهداف وقيم ومعتقدات وممتلكات لأفراد ومنظمات ودول والتي تحد من عملية اتخاذ القرار بشكل سليم وموضوعي). ومن أفضل ما عُرّف به مفهوم فن إدارة الأزمات هو أنها (فن إدارة السيطرة من خلال رفع كفاءة ونظام صنع القرار سواء على المستوى الاجتماعي أو الفردي للتغلب على مقومات الآلية البيروقراطية..).
ومن الأمور المسلم بها هنا أن الدول النامية لا تستفيد من تجارب الأزمات ولا من آثارها، فقد تمر الأزمة تلو الأزمة وتظل تلك الدول صامتة متفرجة دون أدنى حراك لدراسة الأزمة وتحليلها وعمل الأسس والقواعد التي تقوم بدراسة تلك الأزمة وآثارها وتفاديها ووضع الحلول والبدائل والخيارات لأزمات مشابهة مستقبلية حتى يتم السيطرة عليها والاستفادة منها، بل إن معظم الدول العربية تقف أمام تلك الأزمات موقف المتفرج وكأن الأمر خارج دائرة مسئولياتها لتتوالى المشكلات والأزمات وبالتالي تصبح الفاتورة باهظة الثمن. أخيراً وكما ذكرنا آنفاً أن الناجحين يخرجون من رحم الأزمات وأن الفاشلين يتكاثرون في جوف الأزمات.
Kmkfax2197005@hotmail.com