الحمد لله الذي شرف الله هذه الأمة المحمدية واختصها بالقرآن الكريم أفضل الكتب السماوية، ودستورها الخالد الذي به صلاح البشرية، وهدايتها لأقوم الطرق، وأوضح السبل، وأحسن الأخلاق، والصلاة ولإسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. وبعد:
من نعم الله العظيمة على هذه البلاد أن سخر ولاته وهيأهم للاهتمام بكتاب الله الكريم والاعتناء به منذ بداية الدولة السعودية الأولى، وهو دستورها الذي تحكم به، وتتخذه منهجاً وأساساً لشؤون الحياة، ونظام الحكم اتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم والسلف الصالح من مسلك قويم واعتقاد صحيح.
وقد توالى على ذلك ولاة هذه البلاد المباركة وعلماؤها بحمد الله وتوفيقه ينصرون هذا الدين ويولون كتاب الله عز وجل جل اهتمامهم، ويعظمونه، ويعملون به قولا وعملا واعتقادا، ويدعون إليه وينشرونه طباعة وتلاوة وتكريماً لأهله، وإنشاء للمدارس والكليات المتخصصة في علومه، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد وإقامة المسابقات المفيدة، ووضع الجوائز القيمة لحفظته والمتقنين له، ولم تقتصر هذه المسابقات والجوائز على الناشئة والطلاب بل شملت الكبار من العسكريين وغيرهم، ومن أبرز هذه المسابقات وأعظمها تأثيرا ومنفعة لأفراد المجتمع (مسابقة الحرس الوطني لحفظ القرآن الكريم للعسكريين السادسة) برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله.
وإننا بحمد الله وتوفيقه نلمس ونعيش عنايته واهتمامه بما يخدم الإسلام والمسلمين عموما وكتاب الله العزيز خصوصا، فله اليد الطولى في اهتمامه، وعنايته، وما نصرته لقضايا الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء المعمورة وسعيه حفظه الله من كل سوء ومكروه إلى لم الشمل ورأب الصدع وتوحيد كلمة المسلمين ورفع مكانتهم وكذلك عنايته الفائقة بالحرمين الشريفين وكتاب الله عز وجل طباعة ونشراً، وتعليمياً وعملاً به وتلاوة وتحفيظاً. ووضع الجوائز القيمة وإقامة المسابقات التي تخدم الكتاب والسنة المطهرة، ودعمه بسخاء في سبيل ذلك ومنها هذه المسابقة فجزاه الله على الأعمال العظيمة والإنجازات الكبيرة أوفر الجزاء وأعظمه وضاعف الله له الأجر والمثوبة وأعلى منزلته والآخرة.
إن هذه المسابقة وغيرها من المسابقات التي يرعاها ويدعمها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله دليل حبه للخير ونصرته لهذا الدين وحرصه على تنشئة أفراد المجتمع على اختلاف طبقاتهم تنشئة إسلامية سليمة ليكونوا على منهج قويم وطريق مستقيم ومسلك قويم.
ولقد حققت هذه المسابقة بحمد الله ومنته أهدافاً سامية وآثارها طيبة على الفرد والمجتمع والعسكريين خاصة، فغرست محبة القرآن في قلوبهم، وشجعتهم على حفظه وأحيت جانباً من جوانب رسالة المسجد في عصر الصحابة والتابعين، وشحذت الهمم وقوت العزائم على التنافس المحمود في حفظ كتاب الله، وتدبر آياته، ومعرفة أحكامه والعمل بها، قال الله تعالى {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (9) سورة المطففين.
إن هذه المسابقة من المسابقات المتميزة في مجالها، الفريد في نوعها العزيز في وجودها ويأتي تميزها وأهميتها من حيث اختصاصها بالإخوة العسكريين فقد أحيت أواصر الأخوة والألفة والتعارف بين العسكريين، واجتماع القلوب على الخير والهدى، والتعاون على البر والتقوى لاسيما بين أهم طبقة من طبقات المجتمع وهم حماة ثغور الإسلام، والساهرون على المحافظة على أمن البلاد والمجتمع، وأن ربطهم بكتاب الله وتشجيعهم على العناية به وحفظه أدعى لقوة إيمانهم، وتهذيب سلوكهم وأخلاقهم فينعكس ذلك على حسن تعاملهم مع الناس، وصدق عطائهم، وقوة انتمائهم لهذا الدين والاعتزاز به، والشعور بالمسؤولية في الدفاع عنه، وفي ذلك زيادة قوة إلى قوتهم، وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...) الحديث
وإنني أحث المتسابقين وإخواني المسلمين أن يشكروا الله على أن هيأ لهم مثل هذه المسابقات الطيبة، ويسر الله لهم الإعانة على تعلم القرآن وحفظه وتجويده، وأنصحهم أن يتعاهدوا ما حفظوه من كتاب الله حتى لا ينسى، وأن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار بتدبر، وخشوع لله، وخوف منه تعالى، وأن تكون نيتهم خالصة لوجه الله سبحانه محبة له ولكتابه، وأن يعملوا به، ويعملوه لأولادهم وأهليهم وأفراد مجتمعهم حتى ينالوا بركة هذا القرآن العظيم وآثاره الطيبة فإن من حوى كتاب الله في صدره ووعاه قلبه، وأنس به فؤاده وروض جوارحه على العمل به وصار لسانه رطباً به في كل أحيانه انعكس ذلك على أخلاقه وسلوكه وبذلك تعلو همته وتتطلع إلى معالي الأمور، وتنشط في عبادة الله وتعزف عن سفاسف الأمور ورذائل الأخلاق ويكون سبباً في استقامته ظاهراً وباطناً، وعاصماً له من الوقوع في مزالق الشهوات وضلالات الشبهات، فينال بذلك رضا المولى جل وعلا ومحبته، والقرب منه، والفوز بالدرجات العلا من الجنة ويكون من خير البرية وأفضلها، أخرج البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فهنيئاً لحفظة كتاب الله الذين اختصهم بهذه الخيرية، والشرف العظيم في الدنيا والمكانة العالية في الآخرة، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، على إقامة هذه المسابقة وعنايته ودعمه لها، وعلى ما يقدمه للإسلام والمسلمين في جميع المجالات أحسن الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته يوم لقائه ورفع الله منزلته في الدنيا والآخرة، وبارك له في ماله، وعمره، وعمله وأسبغ عليه المزيد من نعمه، وعافيته وإحسانه وألبسه ثوب الصحة والعافية وأمد في عمره في طاعة الله، وخلفه فيما أنفق خيراً، كما أسأل المولى جل وعلا أن يحفظ لهذه البلاد المباركة أمنها ورخاءها وأن يعزها بعز الإسلام ويحفظها من كيد الأعداء وشر الأشرار.
كما أنني أشكر القائمين والمنمين لهذه المسابقة وعلى رأسهم فضيلة الشيخ د. إبراهيم بن محمد أبوعباة، رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني والمشرف العام على هذه الجائزة، وأسأل الله سبحانه أن يجزيهم على هذا الجهد المبارك، والإنجاز العظيم والترتيب الجيد أحسن الجزاء وأوفره، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مفتي عام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء