حمت حول حمى الربع الخالي عدة مرات واخترقته مرتين: الأولى ضمن الفريق العلمي للرحلة الاستكشافية لهيئة المساحة الجيولوجية في شهر شباط (فبراير) 2006م، والثانية ضمن الفريق العلمي لتحديث أطلس المملكة شباط (فبراير) 2009م، وفي كلتا الرحلتين سعدت بصحبة اللواء الركن الدكتور عبدالعزيز العبيداء مساعد المدير العام للمساحة العسكرية ومدير مشروع تحديث أطلس المملكة.
عانيت مما يعانيه من يغامر في الوصول إلى الربع الخالي وعبور كثبانه والمرور بسباخه، واستمتعت بعجائبه، وتعرفت عن كثب على أنواع كثبانه، وجمعت عينات من مختلف رماله، والتقطت آلاف الصور، واحتفظت بأكثر منها في خيالي، ولكنني تعرفت على جانب آخر للربع الخالي عندما أهداني أخي سعادة اللواء العبيداء كتاب الربع الخالي، تصفحت الكتاب لأرى معالم الربع الخالي بعيون أخرى ولمسات مختلفة وذوق متميز.
ما كان للوصول إلى الربع الخالي واختراقه والعودة منه بالسلامة والحصول على مثل هذا السجل المصور أن يتم لولا إدارة حكيمة لمدير مشروع الأطلس اللواء العبيداء وتخطيطه السليم لخط سير رحلة مشروع الأطلس العلمية للربع الخالي وتوقيتها وخط السير هذا في معظمه يشمل مناطق لم يمر بها أحد من المستكشفين الأوائل للربع الخالي وقيام اللواء بمتابعة تنفيذ تلك الخطط وتسخير إمكانيات كبيرة وسائقين محترفين وأدلاء مهرة وجهود فريق مساندة متمكن وقبل ذلك روح التآلف والتعاون ونكران الذات وهذا ما مكّن من تذليل الصعاب لتحقيق أهداف الرحلة ومنها التقاط مثل هذه الصور الناطقة.
الكتاب: صدر الكتاب عن (ناشر الصحراء) باللغة الإنجليزية وهو بعنوان (الربع الخالي Rub Al Khali - The Empty Quarter)، الكتاب من الحجم الكبير وهو مصور من نتاج كل من اللواء الركن الدكتور عبدالعزيز العبيداء ومحمد بابلي واليزابيث جرينبيرج ويقع الكتاب في 229 صفحة.
الكتاب من تقديم معالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وزير التعليم العالي، ثم مقدمة استغرقت 11 صفحة بقلم اللواء العبيداء والكاتبة اليزابيث جرينبيرج تطرقت المقدمة لمعلومات عامة حول الربع الخالي ومغامرات المستكشفين لعبور رماله ومسارات طرقهم عبر كثبانه وسباخه. حوت المقدمة صورة من الأقمار الصناعية للجزيرة العربية تبين بحار الرمال في جزيرة العرب وهي النفود الكبير والدهناء والربع الخالي وخريطة تبين مسار الرحلة العلمية لمشروع الأطلس حول الربع الخالي وخريطة أخرى تبين مسارات رحلات المستكشفين للربع الخالي مثل بيرترام توماس وعبدالله فيلبي وويلفرد ثسجر وعبدالله بن خميس والبعثة الكندية والمساحة الجيولوجية ورحلة الأولى لمشروع تحديث أطلس المملكة بإدارة مدير المشروع اللواء العبيداء. مادة الكتاب هي صور أخّاذة ألتقطت بعدسة المصور العالمي المحترف محمد بابلي وحوالي 12 صورة بعدسة اللواء الدكتور عبدالعزيز العبيداء وصورة واحدة من الشيخ الباحث عبدالله الشايع، كما ضم الكتاب ست صور جميلة من أقمار صناعية لمظاهر مختلفة في الربع الخالي من إعداد مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. الجميل في الكتاب أن كل صورة تعد لوحة قائمة بذاتها والصور ظهرت بلا إطار يحدها وتعليق يقيدها وهذا ما يفسح المجال للناظر لها أن يسبح في خياله معها. وجاء في آخر الكتاب تعريف بموضوعاتها ومواقعها. بعض الصور تجاوزت حجم الصفحة الواحدة والصفحتين والثلاث لتفرد جمالها على أربع صفحات.
تنوعت الصور للقطات لمظاهر تضاريسية (جيومورفولوجية) منكشفات صخرية من تلال وغيرها وصور لمواقع فوهات نيزك الحديدة والصخور الناتجة عن ارتطامه بكثبان الرمال وما نتج عن تحولها بفعل الحرارة وشدة الارتطام من تكون صخور جديدة وزجاج ومواقع أثرية من صخور وأدوات ومنشآت حجرية وقبور ركامية ودوائر حجرية ونقوش كتابات ورسومات وزخارف حجرية وقلاع من الفاو ونجران وغيرها وكثبان متنوعة وتفاصيل دقيقة لتراكيبها البنائية وأشكالها وعلامات النيم الناتجة عن الرياح وتموجاتها في أطراف ووسط الربع الخالي ومياه وسباخ ونباتات مثل الزهر والعرجون أو الذانون أو الطرثوث وشجيرات مثل العبل وصور للحياة الفطرية ممثلة في طيور وغزلان والمها العربي (وضيحي) وحشرات مثل الخنافس والجراد وغيرها. كما شملت الصور لقطات لآبار قديمة ووجوه رجال من قبائل الربع الخالي وتجمعات سكانية ومخيمات وإبل حول آبار مياه، وطرق ترابية ممهدة وأخرى مسفلتة وتوثيق لعمليات رصف الطرق عبر الكثبان العالية والمتحركة.
وشمل الكتاب صورا لمراكز حدودية وتجمعات سكانية في أطراف ووسط الربع الخالي مثل شرورة والخرخير وذعبلوتن ومدن قريبة منه مثل نجران.
الكتاب أحال رهبة الربع الخالي ووحشته وخطورته إلى لوحات طبيعية رائعة، لقد تمكنت عدسة المصور المحترف وتقنية معالجة الصور والطباعة المتخصصة أن تجعل حبيبات رمل الربع الخالي وسباخه ومياهه وما فيه من حياة بشرية وفطرية حركة تنطق بعظمة من أوجدها جل شأنه.
د. عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون
مستشار جيولوجيا نفط - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود