القرآن الكريم، هو دستور المسلم، ونور قلبه، ومُرشده لمعرفة ما يرضي ربه، مع اجتناب ما يغضبه ويخالف أوامره ونواهيه، وهو صديقه في سفره، ورفيقه في ليله ونهاره، وأُنسه في وحشته، ودائماً لا شيء من الكتب أو المصادر والمطبوعات الأخرى تغني عن قراءة هذا الكتاب الذي {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}، وحيث (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).. وهو الكتاب الذي معه وبه وبفهم معانيه وسوره وآياته وجمله وكلماته تطمئن القلوب، وترتاح النفوس، وينتصر المرء بقراءته له وتجويده والتخلُّق بما جاء فيه على شياطين الإنس والجن.
* * *
وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أدرك منذ صباه حاجة المسلم إلى توثيق صلته وعلاقته بكتاب الله عز وجل، حيث إن سوره وآياته وكل مفردة من كلماته البليغة تدله إلى الطريق السوي وإلى العلم الصحيح والسلوك الحسن، ما لا يجده في كتاب آخر بما في ذلك الكتب السماوية التي سبقته والتي نسخها القرآن الكريم، إلى جانب أن هذا الكتاب نزل من عند الله وحياً إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بينما غيره من الكتب غير السماوية التي صدرت من تأليف البشر واجتهادات الإنسان لا تحمل من القيمة والثراء المعرفي والتوجيه الإلهي شيئاً مما يحمله القرآن الكريم، إلا ما جاء فيها اقتباساً منه أو مُستوحى من معانيه.
* * *
واليوم والحرس الوطني يحتفل باختتام الدورة السادسة من مسابقته لحفظ القرآن الكريم برعاية خادم الحرمين الشريفين، حيث توزع جوائز المليك للعسكريين الفائزين بها، علينا أن نتذكر أن مثل هذا التوجُّه الجميل نحو العناية بكتاب الله في أوساط العسكريين من خلال حفظه وتجويده وتدبُّر معانيه لم يأتِ من فراغ؛ فالملك عبدالله الذي يرعى هذه المسابقة ويقدم جوائز الفائزين بها من ماله الخاص، هو من أدرك مبكراً أهمية أن يخص العسكريين بمسابقة بهم؛ انطلاقاً من أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ولأن القوة العسكرية التي تصون الحق وتدافع عن الخير وتحمي الدين لا تتحقق إلا بالإيمان بالله، والسلاح الأقوى الذي يمتلكه المسلم ويميزه عن غيره هو في هذا الكتاب الباقي إلى قيام الساعة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الكتاب الذي يعلمنا ونتعلم منه القيم والآداب وحب العدل والشورى وعدم الظلم والرحمة، ويزرع فينا القوة والشجاعة ما دمنا نلتزم ونتمسك بما جاء فيه.
* * *
والعناية بالقرآن الكريم طلب ملح وضروري، وخدمته ينبغي أن تكون من الأولويات التي نهتم بها، ويأتي ضمن هذا الاهتمام أن يُكرَّم كلُّ مَنْ يحفظه ويتلوه ويقرؤه بتجويد يحفظ له قيمته الكبيرة، وبخاصة حين يأتي فهمه بإدراك وتأثر وتدبر، وهذا ما ترمز إليه مثل هذه المسابقة، وهذا ما يسجل بالتقدير لرجالات الحرس الوطني وكل من يشارك في أي جهد لتنظيم مثل هذه المسابقة؛ إذ إن حفظ القرآن الكريم وتجويده وفَهْم مقاصده ومعانيه هو اهتمام وعناية وحفظ لكلام الله، وهل هناك ما هو أبهى وأغلى من كلام يحقق لمن حفظه وتمسك به والتزم بما جاء فيه الشفاعة - إن شاء الله - يوم القيامة؟.
* * *
إنَّ إرساء قواعد الأمن الذي يسهر على تحقيقه رجال الأمن البواسل يتحقق حين نتوجه إليهم بتنظيم مثل هذه المسابقة وإشراكهم فيها، وهكذا فعل الحرس الوطني، وهكذا فعلت القطاعات العسكرية الأخرى، في وطن شرفه الله بالحرمين الشريفين ونزلت سور وآيات القرآن الكريم على المصطفى صلى الله عليه وسلم وحياً في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبقي كتاب الله منذ نزوله وسيبقى معجزة في بلاغته وأسلوبه وفي أحكامه وتناوله للغيبيات دون أن يتعرض إلى أي شيء من التحريف، وهو ما يميزه عن غيره من الكتب السماوية الأخرى.
* * *
أريد أن أقول في نهاية هذه المشاركة الخجولة والمتواضعة وباختصار: إن رئاسة الحرس الوطني ومنذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مسؤولياته فيها، فقد ظل هاجسه واهتمامه وعمله في أوج قمته لكي تكون مؤسسة حضارية إلى جانب كونها مؤسسة عسكرية؛ فكان هذا الاهتمام غير المسبوق بالثقافة والتعليم والمكتبات والتراث والمهرجانات والمسابقات المنوعة؛ الأمر الذي يجعلنا مع هذا الاحتفال والاحتفاء بتوزيع جوائزه - حفظه الله - على الفائزين بمسابقة حفظ القرآن الكريم، نذكر فنشكر له هذا الجهد المبكر وهذا التفكير الخلاق الذي قادنا إلى ما نحن عليه من تطور حضاري لامع، ومن حضور محلي وعربي وإسلامي ودولي في كل ساحات العلم ومحافل المعرفة إلى جانب كبرى دول العالم.