يفسر المفكر الإسلامي محمد سليم العوا، نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، إلى كونها تتماشي مع المحيط الحيوي والجغرافي للمنطقة, تلك الدعوة التي تقوم في معظم تعالميها على المباشرة والبساطة والرجوع للمادة الأولية في الفكر الإسلامي، والمستقاة بدورها من تعاليم الإمام أحمد بن حنبل، تلك التعاليم التي لم يطلها التعقيد أو علوم الكلام والمناطقة، بل بسيطة كبساطة المحيط الصحراوي.
على حين أنّ الإسلام الصوفي المتسامح والمتصعد في ملكوت الروح، وجد له مناخاً أكثر ترحيباً في الحجاز، نظراً للتراكمية الفكرية (عبر العصور) في الحجاز, والتي منحت الفكر نوعاً من التعقيد, نتيجة تعدد أوجهه ومذاهبه ومدارس شيوخه المجاورين للأراضي المقدسة، الأمر الذي يتطلّب من سكان تلك المنطقة التحلِّي بروح التسامح والتعايش والمجاورة.
تذكّرت طرح الشيخ (العوا) وأنا أتابع تفاصيل القبض على جماعة منظمة بشقيها الفكري والعسكري، تحاول أن تجذر الفكر الشيعي في مصر، فهل مصر من خلال هويتها وروحها وجغرافيتها وطبيعة سكانها، تمتلك التربة التي من الممكن أن تتلقّف هذا الفكر وتجذره وتستنبته؟
يشير عالم الاجتماع العربي - حليم بركات، في كتابه المجتمع العربي المعاصر، إلى أنّ اختلاف طبيعة الفيضان بين نهري دجلة والفرات، وبين نهر النيل، أسهم في تشكيل تضاريس السكان النفسية والفكرية، على الرغم من اشتراك مصر والعراق في كونهما مجتمعات زراعية نشأت في حوض الأنهار, إلاّ أنّ الفيضانات العارمة والقاسية والشرسة في نهري دجلة والفرات، تتقاطع مع الانسيابية الهادئة التي تكون لنهر النيل، حتى في مراحل الطوفان, وهذا بدوره انعكس على هوية المجتمعات.
فالفكر الشيعي بجميع أبجدياته التي تبطن إحساساً تاريخياً عميقاً بالظلم، ورغبة في الثورة الثأر والانتصار لآل البيت، لا يتماشى ويتطابق مع طبيعة المجتمع المصري الذي يميل إلى المسالمة والمسايرة والدماثة، بدليل أنّ الدولة الفاطمية ظلّت في مصر لسنوات طوال، وحين زالت بقي بعض من مبانيها، لكنها لم تترك بصمة فكرية على المكان.
وما يحدث الآن في مصر من خلال تصدير الثورة إليها عبر ذراع إيران (حزب الله) هي عملية قرصنة واعتداء على سيادة دولة وشعب, والمقامرة بجمع العهود والمواثيق الدولية التي تربط مصر بالمجتمع الدولي، ومحاولة استفزاز الشارع المصري المحبط الذي يكابد الكثير من الصعوبات الاقتصادية، لخلق نوع من الفوضى والاضطربات التي تمكن من تمرير مخططات الحرس الجمهوري في إيران.
ما يحدث الآن في مصر هو مغامرة رعناء بشعب كامل من خلال المزايدات، ومن خلال محاولة توريطه في مواجهات غير مدروسة العواقب.
