Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/05/2009 G Issue 13366
الأحد 08 جمادى الأول 1430   العدد  13366
الخطر الحقيقي المتمثل في الانحباس الحراري العالمي
فاتسلاف كلاوس – براغ

 

إنني لأعجب كيف أن العديد من الناس في أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم أصبحوا في أيامنا هذه يؤيدون سياسات تقوم على نظرة هستيرية للانحباس الحراري العالمي، وخاصة تشريع مقايضة الانبعاثات الذي يهدف إلى الحد من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي وتوفير معونات الدعم لمشاريع إنتاج الطاقة (الخضراء).

والحقيقة أنني على اقتناع تام بأنها استراتيجية مضللة، ليس فقط بسبب عدم اليقين بشأن المخاطر التي قد يفرضها الانحباس الحراري العالمي، بل وأيضاً بسبب الضرر المؤكد الذي سوف تفرضه هذه السياسات المقترحة الرامية إلى التخفيف من حِدة التأثيرات الضارة الناجمة عن تغير المناخ.

ولقد دُعيت إلى مخاطبة هذه القضية في إطار مؤتمر عُقِد مؤخراً في سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا. وكان من بين الحاضرين عدد من كبار رجال الأعمال الذين يرجون الاستفادة من سياسات مقايضة الانبعاثات الغازية ومعونات الدعم التي يفترض توفيرها للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وخلق الوظائف (الخضراء). وكانت نصيحتي لهم ألا ينساقوا وراء هذه الهستيريا.

إن أوروبا تتقدم على الولايات المتحدة بسنوات عديدة فيما يتصل بتنفيذ السياسات الرامية إلى التخفيف من حِدة الانحباس الحراري العالمي. فقد صَدَّقَت كافة البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على بروتوكول كيوتو، وتبنت نطاقاً عريضاً من السياسات الهادفة إلى تخفيض الانبعاثات الغازية الضارة الناتجة عنها وتلبية أهداف كيوتو.

ولكن في ظل الأزمة المالية العالمية والانحدار الاقتصادي المفاجئ، أصبحنا في مواجهة حقيقتين واضحتين. أولاً، سوف يكون من الصعب تحمل التكاليف الباهظة التي تفرضها هذه المصادر الجديدة للطاقة. ثانياً، سوف تشكل سياسات تقنين الطاقة، مثل خطة مقايضة الانبعاثات الغازية، معوقاً دائماً للنشاط الاقتصادي. ومن عجيب المفارقات أن مستوى الانبعاثات الغازية لم ينخفض كنتيجة لهذه السياسات، بل لقد انخفض الآن بعد أن تحرك اقتصاد العالم نحو الركود.

إن السر وراء انخفاض الانبعاثات كان كامناً في الانحدار الاقتصادي. وبعد إعادة بناء الاقتصاد في جمهورية التشيك وغيرها من بلدان وسط وشرق أوروبا وعودة هذه البلدان إلى النمو من جديد بدأت الانبعاثات في التزايد بطبيعة الحال. ولا بد أن يكون بإمكان أي شخص إدراك علاقة الارتباط القوية بين النمو الاقتصادي واستخدام الطاقة.

لذا فلا يسعني أن أخفي دهشتي حين أرى الناس تساير الحجة السياسية الحالية التي تزعم أن سياسات مثل مقايضة الانبعاثات الغازية وتوسيع الصلاحيات الحكومية وتوفير الدعم لمشاريع الطاقة المتجددة قادرة بالفعل على جلب الفوائد لاقتصاد أي دولة. ويزعم البعض أن الحكومة، بالعمل مع الشركات الكبرى، قادرة على خلق (اقتصاد طاقة جديد)، وأن الشركات المساهمة في هذه الجهود سوف تربح، وأن الجميع سوف يصبحون في حال أفضل.

إنه في الحقيقة وهم كبير؛ ذلك أن خطة مقايضة الانبعاثات الغازية لن يكتب لها النجاح إلا برفع أسعار الطاقة. وهذا يعني أن المستهلكين المضطرين إلى دفع أسعار أعلى للحصول على الطاقة لن يجدوا بين أيديهم ما يكفي من المال للإنفاق على أمور أخرى. في حين أن الشركات التي تنتج الطاقة (الخضراء) الأعلى سعراً سوف تستفيد إلى حد كبير؛ فإن الأثر الاقتصادي الصافي سوف يكون سلبياً.

فاتسلاف كلاوس رئيس جمهورية التشيك
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد