من أطرف الأفكار التي وردتني من القراء، ما كتبه القارئ الكريم عبدالرحمن الدويرج (أبو وليد)، حيث قال: (أنا من المعجبين بكتاباتك وأود استشارتك: تعلمين سيّدتي بأننا ببلد مسلم، وتعلمين الآن ينتشر في الغرب وباء إنفلونزا الخنازير, ولا يمكن بحال من الأحوال وصول هذا المرض إلى السعودية، لكنني أود إطلاق إشاعة بوصول هذا المرض إلى السعودية, إشاعة على وزن مكنة الخياطة، قبل أن ينتهي إبريل, فهل تنصحينني بذلك علماً بأنني لست من محبي الإشاعات، ولست من متتبعيها، ولكن لإجراء بحث عن عمق الجهل لدينا، مع انطلاق ثورة المعلومات وانتشارها لا بأس من نشر الرسالة لتكون ناقوساً يدق الخطر قبل حدوثه)..
وطرافة الرسالة هو محتواها، وفيه: الرغبة في اختبار مدى انقياد الفرد في المجتمع مع الإشاعات، من جهة، ومن جهة أخرى وضع آخر المحكات لهذا الاختبار ما حدث عند الإشاعة عن أهمية الزئبق الأحمر الموجود في ماكينات الخياطة ذات الماركة سنجر، وما نقلته الكاميرات عن طوابير وتزاحم وتناكب حامليها وقوفاً في ساحات البيع, ولعل آخر الموضوعات إثارة لقلق المجتمع البشري هو موضوع وباء الخنازير، ويبدو أن البشرية بدأت تطفح بمخزونها على تنوعه بما فيه ما يتعلق بمكنون العقول، ومقاييس الإدراك، بل أوبئة الحظائر،.. ولئن كانت رغبة الأخ العزيز أبي وليد واضحة الهدف، إلا أن موضوعها بالغ الحساسية، فقياس (سذاجة) من يتلقون الإشاعات ويذهبون في تتبعها والانقياد لها يمكن أن يتحقق بطرق بحثية عديدة، ولا تخلو منها مباحث أقسام الاجتماع في مؤسسات التعليم العالي، وأبو الوليد سيجد هناك ما يغنيه، لكن السلوك الجمعي نحو أي مثير في الفضاء البشري عبر وسائل الاتصال التي أشار إليها أبو الوليد من المفترض أن يكون الكفيل به ما تحقق من حوافز الوعي وبواعثه ومنشطاته، وتحديداً في المرحلة الراهنة التي تزخر بالمعارف والمعلومات وتتسع فيها الخبرات ووسائل نقلها بالغة السرعة، وهي بالتالي كفيلة بضبط السلوك الاندفاعي عند كل بوق يعم..
بالتأكيد على المستشار أمانة الرأي، لكن إيذان الأخ الكريم عبد الرحمن الدويرج بنشر رسالته تنبيهاً لمحاذير الاتباع للإشاعات يجعلني بمنتهى الأريحية أؤكد الرفض لا إشاعات سالبة، فمثل هذا الموضوع عام لا خاص، ومنفذ قلق واضطراب يمكن أن يندرج تحت نتائجه من مؤسسات المجتمع ما يكبد غالياً،.. وما يمكن أن يواجه الإشاعة ويزيد في سعة الوعي أن يبدأ المربون من ألف التنشئة إلى ياء الممارسة لنشاط العقل الذي جعله الله في رؤوس البشر لا للتجيد، بل للعمل..
قليل من الفسحة للعقول أن تأخذ دورها كفيل بتعطيل مكوكات الإشاعات عن الانطلاق..
تقديري لثقتك يا أبا الوليد..
وليست خاطئة إشاعة أن هناك الكثير من الواعين، وإنك لمنهم في الميزان أخي.