كنت ضمن لجنة تحكيمية لشاعر العرب المخصص للشعراء الشعبيين الذين يكتبون القصيدة (المحكية) أو النبطية إن صح التعبير، ومن خلال برنامج تبثه قناة رواسي من مقرها في الكويت، أقول في أثناء ذلك جاء الدور في الإلقاء للشاعر المعروف شعيل الحريّص المطيري الذي ختم قصيدته بالبيت الآتي:
|
ما ينحفط معنى حديث الأساليب |
ما دام ياصف ثمره الشري شيحه |
وكان يغمز في قناة بعض (مدعي الحداثة) الذين يخلطون في التعبير بين ثمرتي (الحنظل والشيح)، وهنا حانت الفرصة لي لأبين الفرق بين شعراء الحداثة الحقيقيين وأشباه الشعراء المدعين الذين يعمدون إلى وصف المفردات المبهمة التي لا رابط بينها، وبطريقة نفرت المتلقي العادي من الشعر الحديث بل ومن الشعر الفصيح كله. وهذا البيت لا يلام فيه شاعرنا (شعيل الحريّص) لأنه ينقل لنا بصدق انصراف الغالبية العامة عن الاستماع إلى هذا النمط الهجين مما يشبه الشعر شكلاً لا مضموناً، وبعد أن علقت على قصيدة الشاعر الرائعة انتهزت الفرصة لأبين للجمهور وللشاعر ما الرابط بين (الشري) و(الشيح)، ثم قلت (متفلسفاً) اسمع يا أخ شعيل: إن ثمرة الشري هي (الحنظلة) أو (الحدجه) أما (الشري) فإذا جردناه من ثمرته المرة هذه فهو يماثل الشيح، وذلك لأن كليهما نبات بري وكليهما مرّ المذاق، ويصلحان لعلاج السكري وكليهما يصلحان لعلاج بعض الأمراض، كعسر الهضم والإمساك وسواه، إذن تصلح المقارنة بين الشيح والشري. بل إن الشري في بعض الحالات أفضل من الشيح، لانه يغني الغزلان عن شرب الماء في الصحراء، و(تجزي) من خلاله الظباء أي لا تحتاج إلى الماء في قيظ الصحراء اللاهب. وقد تحدث عن اتباع طريقة الغزلان بعض ملاّص العرب وصعاليكهم وفتاكهم الذين يتأبدون في مجال الصحراء والأودية والشعاب لسلب القوافل أو التواري عن السلطان أو الوالي لكثر جناياتهم، ومن هؤلاء (القتّال الكلابي) وصعاليك (هذيل) العدائيين كأبي خراش الهذلي وصخر الغّي وغيرهم، ثم دللّت على قولي في مسألة أكل (الشري) ببيتين من الشعر لأبي (النشناش النهشلي) إذ يقول وهو يتأبد في الصحراء هرباً من السلطان حتى ألف الظباء وألفته:
|
(ألا يا ظباء الوحش لا تشهرنني |
واخفينني إذ كنت فيكن خافيا |
أكلت عروق الشري معكن والنوى |
بحلقي نور القفر حتى ورانيا). |
|
وابوالنشناش هو القائل أيضاً:
|
وسائلة أين ارتحالي وسائل |
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه |
مذاهبه أن الفجاج عريضه |
إذا ضنّ عنه بالنوال أقاربه |
|
اكرر طرفي نحو نجد وانني |
اليه وان لم يدرك الطرف أنظر |
حنيناً إلى أرض كأن ترابها |
إذا أمطرت عود مسكٍ وعنبر |
|