Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/05/2009 G Issue 13366
الأحد 08 جمادى الأول 1430   العدد  13366
شيء من
الإعلام وصراعنا مع الفرس
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

في الإعلام لا يمكن أن تكون محايداً، حتى وإن ادعيت الحياد. فالعمل الإعلامي، وبالذات في السياسة، حربٌ تُدار بدهاء، بعيداً عن المباشرة والخطابية واللغة الدعائية الغارقة في بساطتها، وأصدق ما يصدق على بعض القنوات مقولة إنها (فن دس السم في العسل). الحيادية خدعة، والموضوعية في الإعلام أن تعرف كيف تُظهِر الحياد في الظاهر، وتمرر من تحت الطاولة الفكرة بعد تغليفها شكلاً بالموضوعية والحياد.

قناة (العالم) الإيرانية التي تبث بالعربية تطبق طريقة دس السم في العسل ببراعة ومهنية. إذا أرادت تمرير فكرة من خلال برنامج حواري تختار المشاركين في البرنامج بانتقائية لخدمة أهدافها؛ فتختار من يستطيع أن يمرر ما تريد أن تقوله إلى قناعات المشاهد دون أن يعي؛ فتأتي - مثلا - بالمتطرف المكتظ تخلفاً وبذاءة وربما غلظة وجلافة الذي لا يمت بصلة للإسلام المتسامح والمتحضر، فضلا ًعن الذكاء الإعلامي، ليقوم بدور (المدافع) عن قضية ما، وفي المقابل تختار الأقوى حجة، والأمضى بيِّنة، والأقدر على الدفاع عن قضيته بذكاء، ليدافع عن الرأي المضاد، فتمرر من خلال الرأيين، المتطرف (الغبي) والمتسامح (الذكي)، الصورة المفبركة التي تريد أن تمررها إلى أذهان المتلقين، لتدعم موقفها.

وإذا كانت الآلة الدعائية الإيرانية تعمل الآن بكل حيوية وقوة ومتابعة من خلال قناة (العالم) الناطقة بالعربية، وكذلك قناة (المنار) التابعة لحزب الله في لبنان، وكذلك (قناة الحوار) التابعة للإخوان المسلمين - حلفاء الفرس - التي تبث من لندن، فليس هناك في المقابل قناة موجهة إلى الداخل الإيراني باللغة الفارسية. هذا الفراغ أدى في المحصلة إلى أن الهجوم الإعلامي علينا لا يقابله هجوم إعلامي مضاد على الإيرانيين، فانشغلنا بالدفاع، ولم نفكر في الحقيقة التي تقول: الهجوم خير وسيلة للدفاع.

يتكون النسيج الداخلي الإيراني من مزيج من القوميات العرقية إضافة إلى الفارسية، كالبلوش والتركمان والأكراد والعرب. ويشكل الفرس نحو 45%، فيما تشكل القوميات غير الفارسية من ترك وكرد وعرب وبلوش وتركمان، نحو 55% من سكان إيران. إضافة إلى الأقليات الدينية مثل الأرمن واليهود والزرادشتيين، وكذلك الطائفة السنية التي يعاني أفرادها أشد المعاناة تجاه الاضطهاد الفارسي. وبين هذه القوميات والاثنيات المتعددة والقومية الفارسية المهيمنة على السلطة في طهران من العداء والكراهية والبغضاء والتنافر ما تؤكده كل التقارير المهتمة بالشأن الإيراني، وتعمل السلطات الحاكمة على (تفريس) هذه القوميات، وفرض الثقافة الفارسية عليهم بالقوة، ممثلة أقسى أصناف العنصرية في العصر الحديث.

على المستوى الاقتصادي هناك الكثير من المشكلات التي تكتنف الداخل الإيراني؛ فكما تشير الإحصائيات الرسمية يعيش 40% من الشعب الإيراني - على الأقل - حول خط الفقر، وتتراوح نسبة البطالة بين 20% و30% بين خريجي الجامعات، ناهيك عن الفئات الأخرى غير المتعلمة تعليما جامعيا. وحسب صحيفة (إطلاعات) الإيرانية فإن: (إيران تمتلك المرتبة الأولى في العالم لهروب النخب العلمية). ووفقا للناطق باسم السلطة القضائية جمال كريمي فإن (600) ألف مواطن إيراني يدخلون السجن سنويا. ويقول الدكتور خدائي رئيس مركز رازي للطب النفساني: (إن 20% إلى 25% من أفراد المجتمع مبتلين بأزمات نفسية). إضافة إلى أن نسب تعاطي المخدرات في إيران تعد الأعلى بين دول المنطقة كما تقول الإحصاءات؛ فحسب صحيفة (شرق) الإيرانية فإن (الإحصائية الرسمية عن عدد المدمنين في إيران اتجهت نحو التصاعد بعد انتصار الثورة وإلى الآن). هذا النظام المتهالك من الداخل يجب أن يكون مادة إعلامية في (رد) الهجوم الإعلامي الإيراني، وتعريته أمام الإيرانيين، من خلال الإعلام الفضائي.

كل ما نحتاج إليه (قناة فضائية) ناطقة بالفارسية، تعمل بذكاء ومهنية لتعرية هذا النظام (العنصري) المتهالك الذي يتستر بالإسلام، لنرد الهجوم بهجوم مضاد، طالما أن الصراع مع الفرس هو حتم وليس خيارا.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد