حين ننظر بحب وبإنصاف لأرض الوطن ولما حباها الله به من موقع إستراتيجي في قلب العالم وتنوع تاريخي وجغرافي ومناخي وثقافي ابتداءً من أطهر بقاع الأرض على الإطلاق مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بأبها البهية ذات المناخ والطبيعة الخلابة وسواحل البحر الأحمر والخليج العربي الرائعة، والصحاري والقفار والرمال الذهبية في الربع الخالي والدهناء والنفوذ الكبير، والجبال الشاهقة في عسير وفيفا والطائف وانتهاءً بالآثار التاريخية العريقة والعتيقة مثل: مدائن صالح في العلا والأخدود في نجران وقرية الفاو في وادي الدواسر فضلاً عن آثار العاصمة الأولى الدرعية ومدينة تيماء وسكاكا نجد أننا أمام دولة عظيمة بتنوعها وثرائها التاريخي.
كل تلك الاختلافات الجغرافية المدهشة حتماً ستجعل من المملكة مقصداً سياحية عالمياً إذا، وأقول إذا أحسن استغلالها، وإضافة اللمسة الحضارية عليها وتحويلها إلى أماكن ترفيهية وترويحية ووجهات ممتعة للسعوديين والعرب والأجانب المتعطشين لتراث والحضارة والصحاري.
كل الأماكن التي ذكرتها تبدو مألوفة ومعروفة لدى جميع السعوديين وتمضية أيام فيها لم ولن يكون خياراً مطروحاً في الأمد القريب على الأقل، على الرغم من الجهود الكبيرة والخطوات الموفقة التي تقوم بها الهيئة العليا للسياحة بقيادة الأمير والشاب الطموح سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز.
وإلا أننا نطمح لخطوات أكثر جرأة ونطمع باهتمام أكبر وأوسع وأشمل بالأماكن الجذابة في المملكة.
فحين ننظر إلى واقع المملكة كونها دولة غنية أصلاً ولها إمكانات ضخمة وننظر في الجانب الآخر إلى تنوعها المميز وطبيعتها المتفردة نجد أن الخطوات ما زالت بطيئة ومحدودة ولم تصل إلى مستوى الطموح بعد.
كما أن الهيئة العليا للسياحة لا تستطيع القيام بنهضة سياحية قوية بمعزل عن القطاعات الأخرى سواء المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص.. فالانطلاقات والنهضة الكبرى لا تقوم لوحدها بل بتضافر الجهود واتحاد الهدف والحلم.
من أجمل الأماكن في المملكة وأكثرها روعة والتي لا يعرفها كثير من السعوديين والبعض يعرفها بالاسم والسمعة فقط.
مدينة (حقل) لمن لا يعرفها هي من أجمل المدن الساحلية في الشرق الأوسط.. مدينة حقل تقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة وتطل على خليج عن العقبة، هذه المدينة الحالمة الهادئة الساحرة التي يكفي أن يشاهد فيها أي زائر بالعين المجردة ثلاث دول، حيث يرى من مكانه في حقل وعلى بضعة كيلومترات مدينة طابا المصرية ومدينة إيلات الفلسطينية المحتلة ومدينة العقبة الأردنية، فموقعها الإستراتيجي رائع ولو لم يكن في المملكة لتمنيناه فيها.
مدينة حقل الجميلة مجهولة القدر وتكاد تكون مقطوعة ومنعزلة عن الأنظار يفصلها عن مدينة تبوك التي ستوصلك إليها طريق ضيق ومتعثر وخطر مات فيه الآلاف.
الغريب في الأمر أن من يزور حقل ويرى تلك المدن الثلاث (طابا- العقبة- إيلات) فسيجد أنوار الفنادق ذات الخمسة نجوم مضاءة والمنتجعات الفخمة الراقية تعج بالسياح وأكرر - نحن على بضعة كيلومترات فقط -.
ومن المفارقات أيضاً أن مدينة العقبة تطل على خليج العقبة بمساحة لا تتجاوز السبعة عشر كيلومتراً فقط في حين أن ساحل حقل يمتد على خليج العقبة إلى أن يصل إلى الحدود الجنوبية مع اليمن، ومع ذلك نجده مهملاً ويفتقر إلى الطابع السياحي المتحضر.. فستجد فنادق ومشروعات بسيطة ومتواضعة لا تتناسب مع عبقرية المكان وجماله.
ما يزيد الأمر سوءاً أن حقل لا يوجد بها مطار أو حتى ميناء ومن يريد الوصول إليها عليه أن يسلك طريقاً خطراً، وحين يصل ستكون أعصابه قد تلفت من شدة خطورة الطريق.. فمن يرد الذهاب هناك يفكر ألف مرة فستجد الإحجام قبل الإقدام لما ذكرته بشأن خطورة الطريق.
لماذا لا تكون خطوات الهيئة العليا للسياحة بحجم صناعة المدن والحضارة؟
ولماذا دائماً ما تكون خطط السياحة ذات صبغة مؤقتة ومرحلية مثل القيام بالمهرجانات والإعداد للمواسم؟
لماذا تتفوق علينا الدول ذات الميزانيات المتواضعة التي لا تقارن بإمكانات المملكة بالوسائل جذب السياح وتوفير كافة الخدمات ووسائل الراحة والإمتاع والمشروعات والحضور في الخريطة العالمية للسياحة؟
أعتقد أنه حان الوقت حتى نلتفت ونهتم بإحدى الوجهات البحرية المميزة والفريدة من نوعها مدينة حقل وننشئ لها مطاراً وميناء سياحياً وننشئ طريقاً مزدوجاً وسريعاً وآمناً بينها وبين مدينة تبوك وضبا بمحاذاة البحر الأحمر.
وبعد ذلك يأتي دور القطاع الخاص لإنشاء الفنادق والمنتجعات والأسواق والمطاعم، وقد ينظم رحلات سياحية من حقل إلى العقبة وطابا وشرم الشيخ والغردقة وبقية المدن المطلة على خليج العقبة وإليها.
مدينة حقل تستحق من الهيئة العليا للسياحة بشكل خاص مزيداً من العناية والرعاية لما لها من طبيعة مميزة ومناخ جميل خال من الرطوبة صيفاً وشتاءً، ولنا في الأمير سلطان بن سلمان مصمم رحلة السياحة السعودية نحو العالمية كثير من الأمل لتجعلها تنافس مثيلاتها من المدن الواقعة على ساحل خليج العقبة، وتتفوق عليها فلا ينقصنا شيء عنهم سوى مزيد من الثقة والإصرار والعزيمة والعمل.
* * *