«الجزيرة» - أحمد الجاسر
منذ أن دشنت إدارة مرور منطقة الرياض (المرور السري) في العاصمة كخطوة تجريبية، اعتبره البعض نظاماً جديداً وغير معهود، ربما يحالفه الحظ من عدمه، فيما راهن الكثيرون على نجاحه في الحد من الحوادث والسرعات الجنونية، وتقليل نسبة الوفيات بشكل كبير، وهو ما شهدته منطقة الرياض في السنوات الثلاثة الأخيرة.
كل هذه الأمور طرحت عدة تساؤلات عن ماهية المرور السري؟ وما الدور المنوط به تحديداً؟، وكيف تستطيع الدوريات السرية ضبط مرتكبي المخالفات على الرغم من تخفيها عن الأنظار؟ وكذلك ما هي الآلية المتبعة في ضبط المخالفين؟.
(الجزيرة) من جانبها رافقت المرور السري لمدة تجاوزت الست ساعات، وتجولت ميدانياً في العاصمة (الرياض) بصحبة قائد الطرق الدائرية والمرور السري في منطقة الرياض الرائد علي مهذل القحطاني.
وقبل انطلاق سيارة المرور السري من نوع (لاند كروزر) جهزت بأحدث التجهيزات، وجهت (الجزيرة) سؤالاً للرائد القحطاني حول نشاطات المرور السري، وأبرز المخالفات التي يضبطها رجال المرور في الميدان. وأوضح الرائد القحطاني أن أكثر المخالفات التي يتم تحريرها بشكل يومي تتمثل في السرعة الزائدة وعدم التقيد بربط حزام الأمان، مشيراً إلى أن الدورية السرية لا يقتصر عملها في تحرير المخالفات لمخالفي قواعد السلامة والأنظمة المروية فحسب، بل تتعدى جهودهم إلى القبض على المطلوبين في قضايا جنائية بمختلف أنواعها، إلى جانب تقديمهم يد العون والمساعدة لكل من تتعطل مركبته، وكذلك إسعاف المصابين وذوي الحالات الحرجة وفك كافة الاختناقات التي تواجه خط سيرهم إلى المستشفى.
وأكد القحطاني أن الدوريات السرية توجد ميدانياً بكثرة وهي منتشرة في جميع أحياء وطرق وشوارع الرياض، وتهدف إلى رفع نسبة الوعي لدى المواطن بالنظام المروري الشامل لقائدي المركبات، وكذلك تقديم النصح والإرشاد للمخالفين والتوعية بقواعد السلامة وأنظمة المرور وبيان مخاطر السرعة وعدم التقيد بتلك القواعد والأنظمة.
ونفى الرائد القحطاني دخول الشفاعات والوساطات في القضايا التي يتم ضبطها من قبل رجال المرور في الميدان، مؤكداً أنه لا يمكن تجاوز الأنظمة أو التهاون عن أية مخالفة يستحقها قائد المركبة، مبيناً أن كل مخالف يستحق العقوبة يتم التعامل معه وفق اللوائح والأنظمة المحددة.
ويستثني القحطاني بعض الحالات المرضية، مشيراً إلى أنه يمكن التجاوز عنها مثل أولئك الذين يعانون من ظرف طارئ أو من مرض ما لا يستدعي التأخير، مؤكداً أن هذه الحالات لا يمكن إيقافها، لافتاً إلى أنه يتم تقديم كافة الدعم والمساندة لإسعافها بأسرع وقت ممكن وعبر دوريات المرور السري.
وشدد على رجال المرور في الميدان أن يبادروا بالنصيحة والتوجيه والإرشاد قبل تحرير المخالفة، وأن يقدموا يد الدعم والعون والمساندة للحالات الطارئة والحرجة وتذليل كافة الصعاب التي تواجه خط سيرهم، مؤكداً أنه سبق وأن دعم وساند عدد من المواطنين ممن تم ضبطهم من قبل الراصد متجاوزين السرعة النظامية وعند التحقق من حالاتهم المرضية تم إسعافهم بواسطة دوريات المرور.
وأضاف: (أتى إلينا شخص يسير بسرعة 120 كم/ س مصطحباً ابنته في حالة حرجة جداً وطلب منا تقديم المساعدة، رافضاً أن يسير بسرعة جنونية، فتم فتح الطريق له ومرافقته حتى أن وصل إلى مستشفى قوى الأمن في وقت وجيز).
وقال الرائد القحطاني أن المرور السري موجود في غياب الرقيب الرسمي والفرق التي تحمل شعار المرور، ويكون موجوداً في أطراف المدينة وبين الفرق الرسمية وحملات التفتيش، مضيفاً أنه فور ضبط المخالف من قبل الدورية السرية يقوم رجل المرور بإبلاغ العمليات عن طراز ورقم السيارة التي تم ضبطها، لتقوم العمليات بدورها بإدخال البيانات لديها بشكل آني عبر الحاسب الآلي في غرفة القيادة والتحكم، ومن ثم تقوم العمليات بإخطار الفرقة بأن السيارة التي تم الاستفسار عنها عبر الحاسب الآلي مطلوبة أمنياً إما للمرور، أو للمخدرات، أو الحقوق، أو صدم وهروب، أو سرقة، أو مطلوب للوافدين، أو لجهة أمنية هامة يجب القبض عليه وتسليمه لشرطة منفوحة أو العليا أو الحمراء أو شرطة جدة أو الدمام أو الانتربول، ومن ثم يتم توجيه فرقة رسمية لاستلام الشخص المطلوب للجهة الأمنية.
وبين الرائد القحطاني أن جميع فرق الدوريات السرية مزودة بجهاز تحديد المواقع لتحديد مكان وجودها عن طريق اسم الشخص ونداه في الجهاز، وباستطاعة قائد دوريات المرور السري إيقاف أي سيارة في أي مكان يشاء.
واقترح أن تتبنى الأنشطة الطلابية في المدارس تنظيم محاضرات ولقاءات يدعى إليها متخصصون من رجال المرور لتوعية وتثقيف الطلاب وإرشادهم إلى القواعد المثلى للسلامة المرورية عند قيادة المركبات وعبور الطريق، وكذلك بيان ما لهم وما عليهم، إلى جانب تنظيم رحلات زيارة للمستشفيات التي تكتظ بالمصابين من جراء الحوادث المرورية للوقوف عن قرب عن مخاطر الحوادث والأضرار الناجمة عنها وأخذ العظة والعبرة من الآخرين.
وأضاف: (نعاني من الجيل الجديد في قيادة المركبات، مؤكداً على أهمية تعليمهم في مراحل مبكرة من الدراسة على كيفية التعامل مع رجل الأمن وخطوط المشاة واحترام الطريق وحقوق الآخرين، ومن المنزل أيضاً، ليخرج جيل جديد يعي ويدرك).
وأكد أن الهدف من تطبيق إستراتيجية المرور السري والسلامة المرورية التي تولتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ممثلة بصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وسمو نائبه الأمير سطام بن عبدالعزيز المشرف على الهيئة العليا، هو تقليل نسبة الإصابات التي تخلفها الحوادث المرورية والحد من الوفيات التي تنجم عنها، والتي كانت هاجساً كبيراً لحكومة خادم الحرمين الشريفين، وكذلك المواطنين.
وبين أن السرعة تشكل نسبة 40% من الوفيات والإصابات البليغة (شلل كلي أو نصفي، أو غيبوبة)، فيما تشكل قطع الإشارة وعكس السير أو الارتطام في جسم ثابت أو انحراف نسبة 60%.
وأوضح أن المرور السري بدأ بداية بسيطة منذ عام 1425هـ بقرابة 20 -25 دورية، وحظي بدعم ومساندة عدة جهات ذات علاقة بعمل المرور بعد أن أثبت نجاحه بتحقيق الانسيابية في الحركة المرورية داخل منطقة الرياض، حيث تم تخصيص 86 دورية سرية موزعة بشكل مدروس على الطرق الرئيسة في العاصمة وبعض الأحياء التي تشهد كثافة مرورية، منوهاً إلى أن الدوريات السرية مجهزة بأحدث التقنيات التي تساهم في ضبط المخالفين بشكل دقيق وفوري.
وقال الرائد القحطاني: (لم تقتصر الإدارة العامة للمرور بمنطقة الرياض على عمل تلك الدوريات في ضبط مرتكبي المخالفات بشتى أنواعها، بل عمدت إلى تشكيل حملات تفتيشية في مواقع تشهد حوادث مرورية متكررة ذهبت خلالها العديد من الأرواح). مضيفاً أن تلك الحملات هدفت إلى التقليل من نسبة السرعة وتقديم النصح والإرشاد لقائدي المركبات عبر لوحات إرشادية تحمل العديد من العبارات المؤثرة. لافتاً إلى أن تكثيف الدوريات السرية والحملات المرورية يتم عن طريق إدارة السلامة المرورية في الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وذلك حسب ما يرد إليها من تقارير يومية من ميدان المرور توضح نسبة الإصابات والوفيات التي تنجم عن الحوادث والاختناقات المرورية في شوارع منطقة الرياض.
وأشار الرائد القحطاني إلى أن المرور السري حظي بدعم من وزارة الاقتصاد ووزارة الداخلية حتى وصل إلى ما هو عليه الآن حيث تم مساندة الطرق الدائرية بـ68 فرقة مقسمة على ثلاث مراحل، كما تم توزيع ما يقارب 50 فرقة من المرور السري داخل أحياء منطقة الرياض لضبط مخالفات قطع الإشارة وعكس السير والقضايا الجنائية.
وأكد أنه لا يحق لرجل المرور في نظام المرور الجديد المطبق حالياً حجز المخالف وإيداعه التوقيف كما هو معمول به في النظام السابق للمرور، وإنما يتم تحرير المخالفة وإذا كان لدى الشخص الذي تم استيقافه مخالفات محجوبة سيتم تعطيل جميع مصالحه حتى يراجع هيئة الفصل في إدارة مرور منطقة الرياض والتي بدورها تتولى الحسم في الموضوع وتقرر ما إذا كان يستحق التوقيف من عدمه بناء على التعليمات التي لديها.
وأضاف الرائد القحطاني: (لدينا ثلاث أشياء تعلمناها من الميدان، وهي إما أن يتم إيقاف المخالف ويطبق عليه النظام ويسلم وتكون المخالفة التي حررت بحقه بمثابة درس له وعبرة، أو أن نصادفه في يوم من الأيام في حادث مروري وننقله إلى المستشفى مصاباً، أو أن تودعه في ثلاجة الموتى، إذ لا بد أن يواجه المخالف لقواعد السلامة وأنظمة المرور أحد الأشياء الثلاثة التي ذكرتها).
وأكد أن الكثيرين من المخالفين لا يريدون أن تحرر لهم أي مخالفة ويختلقون الأعذار والحجج الواهية (أمي تعبانة، والدي في العناية المركزة)، وعلى النقيض هناك قلة من المخالفين يعترفون بارتكابهم الخطأ ويقرون باستحقاقهم للمخالفة المرورية ويتعاملون مع رجل المرور في الميدان بخلق راق وذوق رفيع، مبيناً أن ما نسبته 35% تنفي ارتكابها أي مخالفة، موضحاً أن هذه النسبة محصورة ما بين الفئة العمرية من 18- 30 سنة من فئة الشباب، كما أن هناك من يستفز رجل الأمن بألفاظ نابية، وهناك من يتمادى أكثر من ذلك بالتعدي على رجل الأمن.
وتابع: نحن لا نقول إن رجال الأمن منزهون من الخطأ، هناك من يرتكب تجاوزات، لكن تجاوزهم خارج عن الإرادة، مضيفاً: (اللي ما يخطي ما يشتغل) طالما أنه يشتغل ويضبط نظاماً ويضبط مخالفة سيخطئ في إجراء وتقدير سرعة.
وفي معرض رد على سؤال (الجزيرة) حول أن النظام يحفظ حق رجل الأمن في حال تجاوز المواطن عليه.. فهل يحفظ النظام حق المواطن عندما يتجاوز رجل الأمن على حق من حقوقه؟ أكد الرائد القحطاني أن النظام يحفظ حق المواطن كما يحفظ حق رجل الأمن من المواطن، وقال: (النظام أقوى على رجل الأمن أنه يأخذ حق المواطن من رجل الأمن أكثر مما يأخذه المواطن من رجل الأمن، ويجب على رجل الأمن أن يضبط نفسه قبل أن يضبط الناس، وهو لم يرتد الزى الرسمي إلا ليحفظ النظام، كيف سيحفظ النظام وهو لم يحفظ نفسه ويتجاوز على الآخرين).
ورصدت (الجزيرة) عن قرب خلال جولتها أول من أمس حجم المعاناة التي تواجه رجال المرور البواسل في ميدان عملهم، إلى جانب الخطورة التي يستشعرونها كل ثانية أثناء أداء واجبهم الوطني والأمني، واستطلعت خلالها آراء عدد من مرتكبي المخالفات من خلال الإفادات التالية...
في البدء، أكد المواطن عبدالله الدوسري أن تجربة المرور السري أسهمت بشكل كبير جداً في خفض نسبة الحوادث بالعاصمة. وقال: (على الرغم من نجاح هذه التجربة الرائدة، إلا أن منطقة كحجم الرياض لا تزال تفتقر إلى المزيد من تكثيف الدوريات السرية بشكل مدروس ومقنن للسيطرة على حجم الكثافة السكانية الهائلة التي تشهد تزايداً ملحوظاً سنة تلو الأخرى، متسائلاً لماذا لا يتم إقرار مواد دراسية في مراحل مبكرة من التعليم العام للتوعية والتثقيف بقوانين المرور وأنظمة السلامة).
أما المواطن رياض الديري، فأشاد بفكرة المرور السري ووصفها بالخطوة الرائعة والنقلة النوعية، لكنه يرى أن فيها عيوباً تمثلت في أن بعض رجال المرور عندما يضبطون المخالف يقومون باستيقافه في أي مكان، مشيراً إلى أن هناك أماكن لا ينبغي التوقف فيها لخطورتها على قائد المركبة، خصوصاً في المخارج على الطرق السريعة والحيوية والمزدحمة والتي تعج بالشاحنات وتكثر فيها المخالفات.
وتساءل الديري لماذا لا يتم تكثيف الحصص التوعوية بإجراءات السلامة وقوانين المرور الدراسية في مدارس تعليم القيادة عند الرغبة في استخراج وتجديد الرخصة، وتخصص برامج تثقيفية عبر وسائل الإعلام المختلفة؟.
وفي السياق طالب المواطن عبدالله السبيعي بمضاعفة الجهد عبر تكثيف وجود دوريات المرور السري وزيادة عددها ومراقبة السيارات التي تتجاوز السرعة النظامية، متسائلاً: لماذا لا يتم التشديد على قاطعي إشارات المرور وأولئك المتهورين الذين يقودون بسرعة جنونية في داخل الأحياء والشوارع المزدحمة والطرق التي تشهد كثافة مرورية؟ مضيفاً: متى سيتم الحد من تلك الفوضوية؟.
ورفض السبيعي بشدة أن تدخل الشفاعات والوساطة في الحوادث المرورية التي راح ضحيتها أبرياء، أو خلفت إصابات وألحقت الضرر بالآخرين، مؤكداً أن النظام نظام.
وقال: (يجب أن يحاسب الشخص المتهور حساب المتعمد، فيعتبر هذا قتلاً عمداً، ولو كنت صاحب صلاحية لأقمت حد القصاص على كل من تسبب في حادث أودى بحياة الآخرين، حتى ولو لم يكن هناك إلا إصابات فتعتبر إصابات متعمدة فيدخل فيه حكم القتل العمد).
آلية العمل
يقوم أفراد المرور السري بالعمل كخلية واحدة لا تعرف الملل ليحافظوا على نظام الأمن والسلامة ومجهزين بأحدث ما توصلت إليه التقنية من كمبيوترات وكاميرات لمتابعة الشوارع العامة، وخارطة إلكترونية توضح أماكن زحمة السير وأجهزة الاتصال السريع بين (الشرطي السري) المتجول والإدارة العامة.
ومن أنواع المخالفات، مخالفات السرعة ويقوم المرور السري بأجهزته المتقدمة كشف هوية السيارة برغم من سرعتها وتوضيح سرعتها ورقم لوحتها وبإمكانه توضيح السائق لها.
يذكر أن دوريات المرور السري تختلف عن المرور الرسمي من حيث المواصفات الخارجية، ويتفقان من حيث التجهيزات الداخلية، فالعلامة الفارقة والجوهرية لدورية المرور السري أنها لا تحتوي على (سيفتي) يعلو سقف المركبة، إنما تم إخفاؤه في الزجاجة الخلفية للمركبة والأنوار الأمامية والخلفية للدورية، إلى جانب تجهيزها بأحدث التقنيات والتكنولوجيا المعاصرة، إضافة إلى تزويدها بدعامات للمطاردة وأجهزة إنذار صوتي واتصال عن بعد.